وقع
ماكرون في خطأ كبير وفاضح – كعادته – أثناء زيارته مصر أول أمس بتصريحه المناقض لتوجهات الشعب العربي في مصر، وغيرها، تجاه الجمهورية العربية السورية التي يتزايد تطلع العرب اليوم إلى عودة العلاقات الشعبية والرسمية معها وتعزيزها بما يسهم في الخروج من المشهد العربي الدامي والمؤلم، فقد عارض هو هذا التطلّع مندداً به وبوقاحة.
ماكرون يوضّح للعالم، وللمتابعين، أنه ليس رئيساً لدولة
فرنسا التي اضطلعت ثورتها بدور فاعل في عصر التنوير عام 1789، ويظهر على غير وعي، وغير استلهام واطلاع على أثر الثقافة الفرنسية المتألق في الأفق المعرفي العالمي في القرن العشرين، وهو في نسق بعيد عن مثاقفة سارتر، وبيير داكو، وميشيل فوكو، وجاك دريدا، ورولان بارت، وجيرار جينيت… إلخ. إذاً هو رئيس نظام بغيض في نسق تهميش وتحطيم الفرانكفونية في مواجهتها لغطرسة النزعة الانكلوسكسونية، وهو و”أسلافه الذين جعلوا
فرنسا بسياساتهم في حالة انعدام الوزن على الساحة الدولية” وفق بيان الخارجية السورية بالأمس.
فقد استهجن الرأي العام العربي ومنذ سنوات توجهات الحكومة الفرنسية في التعامل مع الأزمات الراهنة التي تعيشها الأقطار العربية جرّاء العدوان على الشعب والأوطان والأمة من التحالف الصهيوأطلسي – الرجعي العربي، والتي كانت الحكومات الفرنسية المتعاقبة في السنوات الأخيرة محرضاً عدوانياً فاعلاً فيه ولاسيما في ليبيا وسورية.
فمن ينسى برنار هنري ليفي البهلوان الأحمق والمحرّض الخطير على سفك الدم العربي تحت المزاعم المضللة المتاجِرة بالحرية وحقوق الإنسان، والتي أسفرت وانتهت به إلى مناهضة الحراك الشعبي الراهن في فرنسا، والتنديد بالسترات الصفراء، والانتصار لحماقات
ماكرون وإشكاليته التي أوضحها بالأمس نائب رئيس الوزراء الإيطالي متّهماً الحكومة الفرنسية “بالوقوف وراء مأساة المهاجرين في البحر المتوسط وخاصة الأفارقة منهم حيث تمنع السياسات الفرنسية تطور الدول الإفريقية وتسهم في أزمة اللجوء فيها ولا سيما بما يتصل بطباعة عملات 14 دولة إفريقية…” ما يذكّر بـ “الفرنك الإفريقي” وما نجم عنه من عمليات النهب المبرمجة.
نقول لأشقائنا في مصر: إنه كان من الأفضل ألا تكون القاهرة منبراً لهذا المدعي المتشدق بالديمقراطية أمام المؤسسات الرسمية ومنظمات المجتمع المدني والأهلي وخاصة في اجتماعات مغلقة مع “نشطاء” في بلد عربي في وقت تسيل فيه دماء المطالبين بالحرية والعدالة في شوارع فرنسا.
إن مصر، عربية وأفريقية، يعرف شعبها، وكذلك نحن، ركام الإرث الاستعماري الفرنسي البغيض، ورسالة نابليون المخاتلة إلى شعبها يوم حملته عليها. لكن
ماكرون ليس نابليون، وأين هو من رؤساء
فرنسا المؤثّرين في تاريخها المعاصر من أمثال ديغول وميتران وشيراك؟!.
ماكرون بتصريحاته الأخيرة هو وبرنار هنري ليفي وجهان لعملة واحدة في الانخراط بتوسيع دائرة مشهد الدم والدمار والمتاجرة والارتزاق بما سمّي تضليلاً “الربيع العربي” الذي عانت وتعاني مصر وأشقاؤها منه، وهو من المستجيبين لنداءات الموت التي أطلقتها عصابات التطرف والتكفير الإرهابية، وهو في غفلة – وكعادته أيضاً – عمّا جرّته إلى بلاده من عمليات إرهابية قد لا تنتهي. إنه يغذّي دائرة الموت بالضحايا الأبرياء في البحر والبر في هذه المنطقة من العالم وينخرط في مأساة سفك الدم المجاني.
علينا كعرب أن ندرك أن هذا التهميش والتحطيم، والاستجابة لنداء الموت، والانخراط في همجية سفك الدم بات كله مكشوفاً ومفضوحاً، ومأزوماً في الوقت نفسه، ولن تتوسع دائرته أكثر، بل هو آخذ في الانحسار والخذلان، ويُقابل اليوم بوعي ونهوض شعبي ومؤسساتي وطني وعروبي تدعمه روح المقاومة الأصيلة والمنشودة من الأجيال الطالعة والمتطلعة إلى المستقبل.
فها هي العصابات الإرهابية تتلاشى مع الانسحاب الأمريكي والاتفاق مع طالبان، ومع القلق الصهيوني المتصاعد، وقطع ذيول الرجعية العربية والعثمانية الجديدة الطامحة والمأجورة. فالرهان على هذه الروح المقاومة بفعلها التاريخي يؤسس له صمود سورية وانتصارها الناجز خلف القائد الأسد.