شهر رمضان هو شهر رحمة ومودة وغفران، شهر الطاعات وتجاوز المشاحنات، شهر العطاء والبعد عن التنافر والبغضاء. لكن مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي بدأت العادات التي تحث على صلة الرحم وتفقد الأقارب، وزيارة الأهل تتلاشى، وأصبحت رسالة صغيرة على الواتس مع باقة ورود، أو بوست على موقع الفيس، أو جملة على الإنستغرام تغني عن زيارة حقيقية لذوي القربى، وتلغي الأواصر العميقة التي تتحقق من زيارة إلى الوالدين والأعمام والعمات والأخوال والخالات، فتصفى القلوب وتنشرح الصدور، وتعم الرحمة والسكينة وهذا ما يدعو إليه شهر رمضان شهر البر والإحسان.
يقول المهندس أحمد: تعودنا في أول يوم من رمضان أن نجتمع في بيت الوالد، فيحضر إخوتي وأخواتي جميعهم مع أولادهم وأحفادهم، فتقوم زوجاتنا بمساعدة الوالدة في إعداد ما لذ وطاب من الطعام والشراب، وغالباً ما يكون الإفطار الأول عبارة عن أكلة تقليدية مشهورة كالكبب والمحاشي والفتات بأنواعها، أو الملوخية والشاكرية، فيشارك الجميع فرحة الصائم عند الفطور، ويلهج الجميع بالدعاء وشكر الله، ويسأله تقبل الطاعات.
أما اليوم وبعد وفاة الوالد، فلم نعد نجتمع تلك الجمعة الحلوة، وأصبح كل واحد يفطر ببيته، وفقدنا الأحاسيس الجميلة من خلال التواصل الفعلي، وأصبحنا نتواصل عن طريق الواتس والفيس، مجردين من العواطف الصادقة.
أما وصال (أم لأربعة أولاد) فلها رأي آخر إذ تقول: (ما زلنا إلى الآن نجتمع أول يوم في رمضان عند والدتي، حتى بعد وفاة والدي، فنحن تعهدنا بألا نترك الوالدة وحدها وخاصة بالمناسبات، فتقوم كل واحدة من البنات بتحضير نوع أو نوعين من الأكلات الشهية، ثم نحضرها إلى منزل الوالدة لنشكل مائدة عامرة، وبعد الإفطار نشرب الشاي والقهوة، ونتناول الحلويات، ونصلي التراويح معاً، ثم يعود كل منا إلى منزله بعد يوم فيه تواصل وتراحم).
وبالنسبة إلى ولاء وهي شابة عزباء فتقول: (نتيجة للمشاغل وبسبب امتحاناتي الجامعية التي تصادف أثناء رمضان، فليس لدي وقت لزيارة الأقارب، أو للإفطار عند أحد منهم، فأنا أعتذر دوماً، وأعوض عن ذلك بإرسال تهنئات ومباركات بشهر رمضان على صفحتي عالفيس، وللأقارب ذوي الصلة الشديدة أرسل لهم رسائل خاصة عالواتس وفيها الكثير من الصور الجميلة والرسوم المعبرة، تعويضاً عن زيارتي لهم. وأحمد الله كثيراً على وجود النت الذي أتاح لنا التواصل عن بعد، بعيداً من الواجبات الاجتماعية التي كانت تضيع أوقاتنا، فيكفي بضع كلمات معبرة تقوم بالواجب).
أما صفاء (متزوجة حديثاً) فقالت: (اشترطت على زوجي أن نقضي أول رمضان لنا مع الأهل والأقارب، فيوم عند أهله، ويوم عند أهلي، حيث إن الإفطار وحدنا شيء ممل، ولا نقبل على الطعام والشراب إلا مع الجماعة، فأنا لا أكتفي بالرسائل والمسجات أثناء شهر رمضان للتهنئة، بل أقوم أنا وزوجي بزيارة الأقارب جميعهم من خالاتي وعماتي إلى أخواله وأعمامه لأننا ما زلنا في السنة الأولى من زواجنا، ومسؤوليتنا ما زالت محددة قبل أن ننجب طفلاً. فأنا وهو متفقان من هذه الناحية).
وتتحدث السيدة رجاء عن معاناتها في شهر رمضان، حيث سافر جميع أولادها إلى الخارج أثناء الأزمة، ورجعت وحيدة بعد وفاة زوجها أيضاً فقالت بحزن: (أتذكر رمضان بالأيام الخوالي وكيف كنا نجتمع على مائدة واحدة أنا وزوجي وأولادي جميعهم، فنقبل على مائدة الإفطار مبتهجين مسرورين، ونتبادل النكات والمزاح ونحن نتفرج على المسلسلات السورية الكوميدية التي تعرض أثناء الإفطار. غير أنه سافر أولادي إلى أوروبا نتيجة الحرب في بلدنا، وتوفي زوجي، ما جعلني وحيدة، أمضي أغلب الأوقات عند أختي. وأستعيض بالمحادثات صوتاً وصورة التي أجريها مع أولادي على الواتس، فأطمئن عليهم بشكل يومي، وأحياناً أفطر وأنا أفتح الشاشة، حتى يكونوا جنبي، وأشعر بالتواصل معهم ولو عن بعد).
أما أنا فأحب أن أنصح الجميع ببر الوالدين والتواصل معهم بشكل دائم، سواء برمضان أم باقي الشهور، ولا يكفي أن نرسل لهم رسائل إلكترونية نعبر فيها عن حبنا، في حال كانوا معنا في البلد نفسه. كما علينا أن نصل رحمنا مع أقربائنا كلما أتاحت لنا الفرصة ذلك.
أما للمغتربين فإن وسائل التواصل الاجتماعي هي نعمة، يستطيعون من خلالها أن يقربوا المسافات، ويطمئنوا على بعضهم بعضاً صوتاً وصورة، فلولاها لعاشوا في كآبة وحزن دائمين. فتكفي هنا صلة الرحم الإلكترونية لتعوض عن البعد والفراق والأشواق.