ومؤخرا كشفت دراسة حديثة -نشرت في دورية "ساينس" أن مركبة فضاء "المتتبع الشمسي" (Solar Orbiter) التابعة لوكالة الفضاء الأوروبية ووكالة ناسا- عن عدد كبير من النفثات المتناهية الصغر من المواد الهاربة من الغلاف الجوي الخارجي للشمس.
وتستمر كل دفقة ما بين 20 إلى 100 ثانية، وتطلق البلازما بسرعة حوالي 100 كيلومتر في الثانية، ويمكن أن تكون تلك النفثات هي المصدر الذي يغذي الرياح الشمسية، والذي طال انتظار العلماء لمعرفته.
تصوير الأشعة فوق البنفسجية
تتكون الرياح الشمسية عادة من جسيمات مشحونة تعرف بالبلازما، تفلت بشكل مستمر من الشمس، وتنتشر إلى الخارج عبر الفضاء بين الكواكب، وتصطدم بأي شيء في طريقها، وعندما تصطدم الرياح الشمسية بالمجال المغناطيسي للأرض تنتج الشفق القطبي.
وبفضل أجهزتها المتفوقة، خطت مركبة المتتبع الشمسي بنا خطوة مهمة نحو الأمام لفهم مصدر الرياح الشمسية، إذ جاءت البيانات من أداة التصوير الفائقة بالأشعة فوق البنفسجية (EUI) على متن مركبة المتتبع الشمسي.
ووفقا لما جاء في البيان الصحفي المنشور على موقع الوكالة الأوروبية للفضاء يوم 24 أغسطس/آب الجاري، كشفت صور القطب الجنوبي للشمس التي التقطتها الأداة يوم 30 مارس/آذار 2022 عن مجموعة من السمات الباهتة القصيرة العمر المرتبطة بنفثات صغيرة من البلازما يتم طردها من الغلاف الجوي للشمس.
وفي هذا السياق، يقول لاكشمي براديب تشيتا، من معهد ماكس بلانك لأبحاث النظام الشمسي بألمانيا، وهو المؤلف الرئيسي للورقة التي تصف هذا العمل، "لم نتمكن من اكتشاف هذه النفاثات الصغيرة إلا بسبب الصور غير المسبوقة عالية الدقة وعالية الإيقاع التي تنتجها أداة التصوير الفائقة بالأشعة فوق البنفسجية".
رصدت الأداة البلازما الشمسية بمليون درجة عند أطوال موجية تبلغ 17.4 نانومترا، ويظهر تحليل الصور أن السمات الباهتة التي أظهرها التصوير ناتجة عن طرد البلازما من الغلاف الجوي الشمسي.
تدفق متقطع وليس ثابتا دائما
عرف الباحثون منذ عقود أن جزءا كبيرا من الرياح الشمسية يرتبط بهياكل مغناطيسية تسمى الثقوب الإكليلية، وهي مناطق لا يعود فيها المجال المغناطيسي إلى الشمس، ولكن، بدلا من ذلك، يمتد إلى عمق النظام الشمسي، حيث يمكن أن تتدفق البلازما على طول خطوط المجال المغناطيسي "المفتوحة"، متجهة إلى النظام الشمسي، مما يخلق الرياح الشمسية. لكن السؤال كان: "كيف يتم إطلاق البلازما؟".
كان الافتراض التقليدي هو أنه نظرا لأن الإكليل ساخن، فإنه يتوسع بشكل طبيعي ويهرب جزء منه على طول خطوط المجال المغناطيسي، لكن النتائج الجديدة تتحدى الافتراض القائل بأن الرياح الشمسية تنتج فقط نتيجة للتدفق المستمر والثابت للإكليل.
ففي داخل الإكليل، هناك فرق بين التوهجات الشمسية ذات الطاقة الكبيرة، التي تزيد بمليار مرة عما تسمى التوهجات النانوية. أما النفثات الصغيرة التي اكتشفتها مركبة المتتبع الشمسي، فهي أقل نشاطا من ذلك.
وتظهر تلك النفثات الصغيرة طاقة أقل بنحو ألف مرة من التوهج النانوي، وتتوجه معظم تلك الطاقة إلى طرد البلازما. ويشير انتشار تلك النفثات الصغيرة الباهتة في كل مكان إلى أنها تقوم بطرد جزء كبير من المادة التي نراها متمثلة في الرياح الشمسية.
وتعليقا على ما كشفت عنه الصور الجديدة، يقول ديفيد بيرغمانز من المرصد الملكي البلجيكي، والباحث الرئيسي لأداة التصوير الفائقة، إنها "خطوة مهمة للعثور على شيء على القرص يسهم بالتأكيد في الرياح الشمسية".
مزيد من الدراسات
في الوقت الحاضر، لا تزال مركبة المتتبع الشمسي تدور حول الشمس بالقرب من خط الاستواء، حيث تقوم أداة التصوير الفائقة بالتصوير عبر القطب الجنوبي.
ومع استمرار المهمة، ستقوم المركبة الفضائية بتعديل مدارها تدريجيا حول المناطق القطبية. وفي الوقت نفسه، سيتقدم النشاط على الشمس خلال الدورة الشمسية الحالية وتبدأ الثقوب الإكليلية في الظهور عند خطوط عرض مختلفة، مما يوفر منظورا جديدا فريدا.
ومن ثم سيحرص الباحثون على رؤية الجديد الذي يمكنهم جمعه حول النشاط الشمسي، وهو عمل بحثي يتعدى أثره النظام الشمسي.
فالشمس هي النجم الوحيد الذي يمكننا أن نرصد غلافه الجوي عن قرب بمثل هذه التفاصيل، وسوف ينعكس ذلك على فهم ما يحدث في النجوم الأخرى أيضا. وهذا يحوّل هذه الملاحظات إلى اكتشاف عملية فيزيائية فلكية أساسية.
المصدر : مواقع إلكترونية + وكالة الفضاء الأوروبية