فازدياد ساعات الفراغ اليومية لدى البشر، وبقاؤهم في المنزل لأيام وأشهر، ساهما في تزايد الإقبال على كافة فئات الألعاب، مما دعم إيرادات وأرباح الشركات العاملة في هذا القطاع، في وقت لم تستطع قطاعات أخرى النجاة من آثار الوباء.
وشهدت صناعة الألعاب في السنوات العشر الأخيرة، تحولات ضخمة مع دخول العنصر الرقمي بقوة، إلى مشهد هذه الصناعة التي باتت تنقسم إلى قسمين، الأول تقليدي يتجسد في ألعاب الدمى وألعاب الألغاز وألعاب أخرى مماثلة، والقسم الثاني حديث ويتجسد بالألعاب الرقمية وألعاب الفيديو والتطبيقات.
وتعدُّد أنواع الألعاب وفئاتها في السنوات الأخيرة، استدعى لجوء المنتجين إلى استحداث فصل في التسمية، عند الحديث عن هذه الصناعة، فبات يشار إليها بعبارة toys and games industry، لتدل كلمة toys على الشركات التي تنتج ألعاباً تقليدية كالدمى وغيرها من الألعاب المماثلة، في حين تدل كلمة games على الشركات التي تُصنع ألعاباً رقمية وإلكترونية حديثة.
وفي وقت يتم تسليط الضوء على سوق الألعاب الرقمية والإلكترونية، التي تحقق نمواً كبيراً بدعم من التطور التكنولوجي الذي يشهده العالم، يجهل الكثيرون أن سوق الألعاب التقليدية تسلك أيضاً طريق النمو، فبالرغم من الانتشار الهائل للألعاب الإلكترونية الحديثة، فإن الألعاب التقليدية ما زالت تملك سحرها الخاص، بين أوساط المستهلكين وهذا ما تؤكده الأرقام.
فبحسب شركة "ستاتيستا" لأبحاث السوق، نما إجمالي إيرادات سوق الألعاب التقليدية في العالم، من 92 مليار دولار في عام 2019، إلى 107.4 مليارات دولار في 2022، مع توقعات باستمرار هذا النمو في 2023، والسنوات المقبلة رغم ضغوط الاقتصاد الكلي، وارتفاع تكاليف المواد والطاقة، ورغم المنافسة المتزايدة من منتجات الألعاب الرقمية.
وكانت "ليغو" الشركة الأكثر تحقيقاً للإيرادات في صناعة الألعاب التقليدية خلال عام 2022، مع تحقيقها لـ 9.2 مليارات دولار، تبعتها شركة Bandai Namco بإيرادات حجمها 7.4 مليارات دولار، ومن ثم شركة Hasbro بإيرادات 5.8 مليارات دولار، لتحل في المرتبة الرابعة شركة Mattel بإيرادات حجمها 5.4 مليارات دولار، من ثم في المرتبة الخامسة شركة Jakks Pacific مع تحقيقها لإيرادات حجمها 796 مليون دولار.
مخاوف مبالغ فيه
ويقول رئيس مجلس إدارة شركة Toy Market Group Holdingوائل سنو، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن صناعة الألعاب مثل كل الصناعات في العالم، يمكن أن تواجه مشكلات وتحديات، وقد تمر بظروف لا تصب في مصلحتها، خاصة في ظل الخوف المتنامي من تحول المستهلكين، إلى الألعاب الرقمية أو الديجيتال، لكنه وصف هذا الخوف بأنه مبالغ فيه، خاصة أن سوق الألعاب التقليدية عادت إلى تحقيق النمو بعد فترة من التراجع المرحلي.
ويشرح سنّو أن النمو الذي تحققه الألعاب التقليدية، مرده إلى أن هذه الصناعة قامت بتطوير وتحديث منتجاتها، بشكل يواكب التوجهات في السوق، فالمنتجون لهذا النوع من الألعاب، يدركون أن بقاء منتجاتهم على الشكل الذي تم طرحها به منذ سنوات طويلة يعني أن السوق ستلفظها، معتبراً أن الألعاب التقليدية الجديدة، لم تعد تقليدية بالمفهوم القديم للكلمة، بل أصبحت تواكب المتطلبات والتغييرات الحاصلة في سلوك المستهلك.
القرار للمستهلك الباحث عن كل جديد
وبحسب سنو، فإنه إذا لاحظ المستهلك أن هناك تكراراً في الأفكار، وأنه ليس هناك أي جديد يطرح عليه، فهو بالتأكيد سيلجأ إلى الحد من الاستهلاك، مشيراً إلى أن فيروس كوفيد-19 ساهم في دفع صناعة الألعاب التقليدية خلال السنوات القليلة الماضية، حيث ساعد هذا الأمر أيضاً الأهالي، على اكتشاف مدى قدرة أنواع معينة من الألعاب التقليدية، مثل حل ألعاب الألغاز، وألعاب المهارات الذهنية الأخرى، في تطوير قدرات الأطفال من عدة نواح، وهو ما يدلّ على أهمية استمرار وجود هذا النوع من الألعاب في السوق.
أكثر فئات الألعاب التقليدية مبيعاً
ويرى سنو، أن فئة ألعاب الدمى، هي حالياً من أكثر الفئات مبيعاً ضمن الألعاب التقليدية، فسوق هذا النوع من الألعاب لا يزال يلقى رواجاً كبيراً، وهو ما يظهر جلياً من خلال النجاح منقطع النظير، الذي يحققه فيلم "باربي" الذي يعرض حالياً في دور السينما، كاشفاً أن شركة "ليغو" استطاعت ومن خلال تفوقها في صناعة الألعاب التقليدية، الاستحواذ على حصة كبيرة في هذه السوق، وذلك لكونها تمكنت من مزج العنصر التقليدي بالعصري لتواكب متطلبات وتوجهات المستهلكين في السوق.
وشدد سنّو على الدور الذي تلعبه حالياً وسائل التواصل الاجتماعي في دعم مبيعات مُصنعي الألعاب، حيث تحولت هذه المنصات إلى نافذة تتيح للمنتجين الوصول للمستهلكين بشكل أسرع، كاشفاً عن أن صناعة الألعاب أصبحت معقدة للغاية في الآونة الأخيرة، ومتوقعاً أن تؤدي تكاليف المواد الخام المرتفعة، إلى ارتفاع في أسعار الألعاب، ولكن ليس بالنسبة نفسها التي ارتفعت فيها خلال 2021، عندما قفزت تكاليف الشحن في العالم.
110 مليارات دولار إيرادات سوق الألعاب التقليدية
من جهتها، تقول الكاتبة والمحللة الاقتصادية رنى سعرتي في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن الصين تُعدّ بشكل عام، المصدر الرئيسي للألعاب التقليدية في العالم، في حين تعتبر الولايات المتحدة المستورد الرئيسي لها، مشيرة إلى أن إيرادات هذه الصناعة، كانت تبلغ نحو 90 مليار دولار في 2017 وهي تتجه لتقارب الـ 110 مليارات دولار في 2023، وهو ما يثبت زيف كافة الأقاويل، التي تؤكد أن الألعاب التقليدية باتت تفقد شعبيتها في مواجهة الألعاب الرقمية.
وترى سعرتي أن أهالي الأطفال في العالم، باتوا يعتبرون أن للألعاب التقليدية دوراً فعالاً في تحقيق التنمية الذهنية، وتعميق الروابط الاجتماعية، خاصة الألعاب التي تركز على تحفيز النشاط الذهني للطفل، وتمنحه فرصة التعلم واكتساب الكثير من المهارات، كما أنها تنمي قدراته الإبداعية، معتبرة أن هذا التوجه سيستمر في النمو في السنوات المقبلة، حيث سيساعد هذا الأمر شركات تصنيع الألعاب التقليدية، على الصمود أمام موجة التحول الرقمي التي يشهدها العالم.
وتشرح سعرتي أن المستهلكين حساسون تجاه ارتفاع أسعار الألعاب، وهو الأمر الذي سيؤثر سلباً على المبيعات ولكن ليس بنسبة كبيرة، خاصة أن هذا الارتفاع تواكبه عدة خطوات من المصنعين، لضمان عودة الأمور إلى مسارها في أقرب وقت ممكن، حيث يقوم العديد من المنتجين، بتوزيع إنتاجهم على مناطق جغرافية متعددة، بما يضمن تقليل تكاليف الإنتاج والنقل، ولذلك فإن جميع التوقعات، تجمع على أن سوق الألعاب التقليدية ستستمر في النمو وصولاً إلى عام 2023.