كم من مرة حاولت دون جدوى أن تتذكر كلمة كاد لسانك أن ينطقها، ولم تستطع لدرجة تشعرك بالعجز والذهول، وتردد إنها "كانت على طرف لساني"! بل يزداد الأمر سوءا إذا حاول أحدهم التدخل للمساعدة، حتى يفاجئك العقل بتذكرها بعد دقائق، أو ساعات وربما أيام.
عدم القدرة على استرجاع المعلومات
تعرف هذه الظاهرة بـ"طرف اللسان"، أو كما يطلق عليها المختصون "ليثولوجيكا" وهو شعور يصاحبه عدم القدرة المؤقتة في استرجاع المعلومات من الذاكرة، فالشخص يتذكر جيدا مفهوم الكلمة، ولكن العقل يعجز عن التسمية اللغوية، ومصطلح "ليثولوجيكا" مشتق من اللغة اليونانية القديمة، ويتكون من شقين "ليثي" وتعني النسيان، و"لوجس" وتعني الكلمة، و"ليثي" هو أحد أنهار العالم السفلي في الأساطير اليونانية، تشرب منه أرواح الموتى لنسيان الذكريات الدنيوية -حسب معتقداتهم-، وكأن الشخص الذي يمر بهذه الحالة قد شرب لتوّه من هذا النهر.
مدى انتشار الظاهرة
تنتشر هذه الظاهرة عبر الثقافات واللغات المختلفة؛ فحسب دراسة أميركية أجراها بينيت إسكوارتز، في 1999، فإن 45 لغة من أصل 51 لغة شملتها الدراسة لديها مصطلح يشير إلى ظاهرة طرف اللسان، وأثبتت الدراسات أن 90% من الأشخاص حول العالم يتحدثون عن لحظات عجزهم عن الوصول إلى الذاكرة، بغض الطرف عن اللغة المستخدمة، وعادة ما يمر الشباب بلحظات طرف اللسان مرة في الأسبوع، بينما قد تحدث للبالغين الأكبر سنا مرة كل يوم.
التذكر الجزئي للمعلومة
وبحثت العديد من الدراسات في هذه الظاهرة، ومن الدراسات الرائدة بحث أجراه روجر براون، وديفيد ماك نيل في 1966، واللذان وجدا أن المشاركين عندما تعرضوا لحالة "طرف اللسان"، تمكنوا من تحديد الحرف الأول من الكلمة المقصودة، وعدد المقاطع التي تشتمل عليها، والكلمات ذات الصوت المماثل، أو المعنى المشابه، في حين ضاعت الكلمة نفسها.
ويصف سكاكتر، عالم الاعصاب في جامعة هارفارد، هذه الظاهرة كأبرز مثال على خطيئة "الحجب"، وهي إحدى الخطايا السبع للذاكرة، التي تتمثل في صعوبة الوصول المؤقت للمعلومات المخزنة، واكتفاء الذاكرة باسترجاع ذكريات وكلمات قريبة أو ذات صلة، ويطلق العلماء على هذه الذكريات "تأثير الأخوات القبيحات"؛ لأنها تعيق الوصول الناجح إلى الكلمة المستهدفة التي نشعر أن نطقها أصبح وشيكا "على طرف اللسان".
على طرف إصبعي
كما تؤكد البحوث أن الصم كذلك يواجهون حدثا مشابها في لغة الإشارة يسمى "طرف الإصبع"، بما يوضح أن الأمر أبعد من مجرد الحجب الصوتي للكلمة. ففي 2005، كشفت دراسة أميركية أعدها باحثون من جامعة سان دييغو على مجموعة من الأفراد الصم، وتوصلت أنهم كذلك يمرون بلحظات يصعب معها استعادة الكلمات المألوفة لهم، ويكتفون بالإشارة إلى أول حرف من الكلمة، ويعبرون بلغة الإشارة "كانت على طرف إصبعي".
العدوى الاجتماعية
وتتناول معظم الدراسات ظاهرة "طرف اللسان" على مستوى الأفراد فقط، غير أن دراسة حديثة قادها أستاذ علم النفس في جامعة لورينتيان الكندية لوك روسو، ونشرت في يوليو/تموز 2021، كشفت عن انتشار عدوى طرف اللسان بين أفراد المجموعة، عندما يتعرض لها فرد أو اثنان.
وللوصول إلى نتائج الدراسة، عرض الباحثون عددا من أسئلة المعلومات العامة على المشاركين بعد تقسيمهم إلى 6 مجموعات، وبمقارنة الإجابات مع الوقت الذي أجاب فيه المشاركون على الأسئلة بشكل فردي، كان الأفراد الذين تعاونوا في الوصول إلى الإجابات في إطار المجموعة، أكثر عرضة لقول إن الإجابة كانت على طرف ألسنتهم بمعدل 3 أضعاف، وكأنه شعور مُعدٍ.
العوامل المؤثرة في ظاهرة "طرف اللسان"
توضح دكتورة هايلي نيلسون، أستاذ علم النفس بجامعة ديلاوير الأميركية لموقع "ويل آند غود"، أن "عوامل مثل: الإجهاد والتعب وعدم الحصول على قسط كاف من النوم، يمكن أن تسبب هذه الظاهرة".
ووفق خبراء علم النفس، توجد مجموعة من العوامل التي تزيد من حالات طرف اللسان؛ ومنها:
تعدد اللغات: يعاني الأشخاص الذين يتحدثون أكثر من لغة من حالة "طرف اللسان" بنسبة أكبر من أحاديي اللغة.
الكلمات المستخدمة: يميل الفرد إلى تذكر الكلمات التي يستخدمها بشكل يومي، أما الكلمات التي لا نستخدمها والمخزنة في أدمغتنا، فيصعب استرجاعها في وقت قصير.
الأدوية والعقاقير: العقاقير المستخدمة في تخدير المرضى وعلاج اضطرابات النوم والقلق، تزيد من حالات طرف اللسان، وصعوبة استدعاء الكلمات من منطقة الحصين في الدماغ.
التقدم في العمر: يزداد تواتر حالات طرف اللسان مع التقدم في العمر، ففي 2020 كشفت دراسة علمية عن تكرار تعرض كبار السن لظاهرة طرف اللسان أثناء اختبار تسمية المشاهير بالنظر إلى صورهم، مقارنة بالبالغين.
المشاعر والتحيز: يؤثر المزاج والمعتقدات والمشاعر في أداء الذاكرة، وأظهرت ورقة بحثية نُشرت في 2010 أن الأسئلة المثيرة للمشاعر تزيد من حالات "طرف اللسان"، مقارنة بالأسئلة الحيادية.
وبشكل عام، تعدّ حالة "طرف اللسان" أمرا طبيعيا ومتكررا في المراحل العمرية المختلفة، وتشير الأبحاث أن ممارسة الرياضة بانتظام ترتبط بانخفاض تكرارها، ولا سيما مع التقدم في العمر.
كما ينصح الخبراء بضرورة الحفاظ على علاقات اجتماعية جيدة، وممارسة نشاطات من شأنها تحفيز الذهن وتعزيز الذاكرة، وضرورة استشارة طبيب متخصص، إذا زادت بشكل يؤثر في النشاطات اليومية؛ لأنها قد تشير إلى تدهور معرفي مرتبط بالتقدم بالعمر.
المصدر : مواقع إلكترونية