ولكن كانت المفاجأة، أن 4 من 5 علماء، تحدثوا للجزيرة نت، بينهم الباحثة الرئيسية في الدراسة التي أعلنت عن هذا الاكتشاف في 21 سبتمبر/أيلول بدورية "ساينس"، حرصوا على الحديث بمزيد من التفصيل عن الرابط بين ما نكتشفه في الفضاء والحياة على الأرض.
وكان الباحث الوحيد، الذي لا يؤمن بضرورة خلق هذا الرابط هو مايكل براون، الأستاذ بقسم العلوم الجيولوجية والكواكب بمعهد كاليفورنيا للتكنولوجيا بأميركا، وأحد المشاركين بالدراسة، والتي تم الإعلان من خلالها عن توظيف تلسكوب "جيمس ويب" الفضائي التابع لناسا، لاكتشاف ثاني أكسيد الكربون محلي الصنع على القمر الجليدي لكوكب المشتري "أوروبا".
فهم المحيط الموجود تحت قشرة "أوروبا"
و"أوروبا"، أصغر قليلا من قمر الأرض، وهو مغطى بقشرة من الجليد المائي الذي يغلف محيطا من المياه المالحة، ووجود الماء السائل يجعل هذا القمر موضوعا مثيرا للاستكشاف بالنسبة للعلماء المهتمين بالحياة خارج كوكب الأرض، لذلك تحدث براون بمزيد من التفصيل عن القيمة العلمية للاكتشاف، قائلا في تصريحات عبر البريد الإلكتروني "بالنسبة لي، يعد هذا الاكتشاف أحد المفاتيح لفهم المحيط الموجود تحت القشرة الجليدية للقمر، والذي يحتوي على مياه سائلة أكثر من تلك الموجودة على الأرض، وكنا لا نعرف عنه إلا القليل".
وأضاف "لكن الآن نحن نعتقد أن المحيط به ثاني أكسيد الكربون، وهو أمر مثير للاهتمام، لأنه في محيطاتنا، تجمع بعض الميكروبات ثاني أكسيد الكربون مع مواد كيميائية أخرى (مثل الهيدروجين أو كبريتيد الهيدروجين) لتشغيل خلاياها، وفي حين أننا لا نعرف ما إذا كان هذا يحدث في (أوروبا)، فإننا نعلم الآن أن واحدا على الأقل من المكونات المحتملة موجود".
وبينما أثار الحديث عن القيمة العلمية شهية براون فتحدث بالتفصيل، كانت إجابته عن السؤال حول فائدة مثل هذا الاكتشاف للحياة على الأرض، كاشفا عن انتمائه لمدرسة "العلم من أجل العلم"، إذ قال "أعتقد أن الاستكشاف والاكتشاف والفضول هي أجزاء مهمة في الطبيعة البشرية، ودون هذا تصبح حياتنا قاحلة".
اتصال القيمة العلمية بالحياتية
وعلى عكس براون، كانت زميلته سامانثا ترامبو، من مركز الفيزياء الفلكية وعلوم الكواكب بجامعة كورنيل الأميركية، والباحثة الرئيسية بالدراسة، مهتمة بالحديث بالتفصيل عن القيمة العلمية والحياتية للاكتشاف.
وقالت ترامبو عن القيمة العلمية في تصريحات عبر البريد الإلكتروني "لقد علمنا بالفعل من مهمة (غاليليو) أن سطح (أوروبا) يحتوي على ثاني أكسيد الكربون، لكننا لم نعرف ما إذا كان ثاني أكسيد الكربون يأتي من داخل أوروبا أو خارجه، ولكن الآن، مع هذه النتائج الجديدة، يمكننا القول إن ثاني أكسيد الكربون يبدو أن مصدره المحيط الداخلي، وهذا مهم لأنه يعني أن الكربون، وهو أمر ضروري للسكن، موجود في المحيط تحت سطح الأرض وقد تم تسليمه إلى السطح، حيث يمكننا دراسة كيميائه، وتساعد هذه النتائج في فهم تكوين المحيط، وفهم هذا التكوين أمر بالغ الأهمية لفهم مدى قابلية مياه المحيط للسكن".
وفي رابط بين القيمة العلمية والحياتية، أوضحت ترامبو أن "إمكانية الحياة خارج الأرض هي واحدة من أكبر أسئلتنا، وتشير التقديرات إلى أن (أوروبا) يمتلك حوالي ضعف كمية المياه التي تمتلكها محيطات الأرض مجتمعة، لذا فهو مكان رائع للدراسة لفهم إمكانية وجود بيئات صالحة للسكن في أماكن أخرى في نظامنا الشمسي".
وبسؤالها عن نوع الحياة المتوقع وجودها على (أوروبا)، والتي يمكن دعمها بوجود مصدر محلي لإنتاج الكربون، أوجدت ترامبو رابطا آخر بين القيمة العلمية والحياتية، إذ أضافت "حتى الآن نحن لا نجزم بوجود الحياة على (أوروبا)، ولكن بعد اكتشاف ثاني أكسيد الكربون يمكننا أن ننظر إلى بيئات مماثلة على الأرض للحصول على فكرة، فربما تكون الأنظمة البيئية للفتحات الحرارية المائية في قاع البحار على الأرض، حيث تكون الحياة مستقلة عن ضوء الشمس، وتكون الحياة مدعومة بالتفاعلات الجيوكيميائية بين مياه المحيط وصخور القشرة الأرضية، هي بيئات مشابهة لأشكال الحياة على (أوروبا)".
كشف أسرار مناخ عالمنا المتغير
ولا يختلف العلماء الآخرون الذين استطلعت الجزيرة نت آراءهم على القيمة العلمية للاكتشاف، ولكن كان لكل منهم رؤيته الخاصة في انعكاس هذا الاكتشاف على حياتنا.
ويقول إيثان رايان بورنيت، الباحث بمجال ميكانيكا الطيران الفضائي والديناميكا الفلكية بجامعة كولورادو الأميركية في تصريحات عبر البريد الإلكتروني، إن "الحياة كما نعرفها تتطلب كلا من الماء السائل والكربون للبقاء على قيد الحياة، والنتيجة المتمثلة في وجود مصدر للكربون في المحيط تحت سطح (أوروبا) تعزز أنه وجهة مثيرة في البحث عن بيئات صالحة للسكن والحياة خارج الأرض، مع ملاحظة أن الحياة تتطلب أيضا العديد من الأشياء الأخرى، وهناك العديد من الأسباب غير البيولوجية التي تجعلنا نتوقع العثور على الكربون في المحيط تحت سطح (أوروبا)".
ويأتي انعكاس هذا الاكتشاف على حياتنا في رأي بورنيت من أن "التعرف على كيمياء ومناخات العوالم الأخرى في النظام الشمسي، سيساعدنا على فهم أفضل لآلية العمل وراء مناخ عالمنا المتغير، كما أنه يمكن بسهولة تكييف التطورات التكنولوجية اللازمة بعلوم الفضاء للتطبيقات التجارية على الأرض".
وبالإضافة لهذه الفوائد، جاء في النهاية منطق "العلم من أجل العلم" الذي تحدث به براون، إذ قال بورنيت في ختام تعليقه إنه "من الطبيعة البشرية طرح الأسئلة واستكشاف واختبار الأفكار، والعلم كما نعرفه هو مجرد الطريق الحديث الذي نستخدمه للقيام بذلك على المستوى المهني، لذا، فأنا أزعم أن علوم الفضاء، مثل أي علم، لها قيمة ثقافية متأصلة عميقة، تماما مثل الموسيقى أو الرسم أو الأدب".
الاتصال بين محيط "أوروبا" وسطحه
ومتفقا مع الرأي السابق، تحدث بول هاين، الأستاذ المساعد بقسم الفيزياء الفلكية وعلوم الكواكب بجامعة كولورادو الأميركية، عن أن القيمة العلمية للاكتشاف تأتي من "مصدر الكربون".
وقال في تصريحات بالبريد الإلكتروني "على الرغم من أن وجود ثاني أكسيد الكربون في (أوروبا) ليس اكتشافا جديدا، فإن موقعه استنادا إلى بيانات تلسكوب جيمس ويب الفضائي، يشير إلى أنه قد يكون مصدره المحيط الداخلي للقمر".
وأوضح أن "هذا الاكتشاف يعد مهما لأنه يضيف إلى الأدلة المتزايدة على أن المحيط قد لا يكون معزولا تماما عن السطح بواسطة القشرة الجليدية لأوروبا، وبالتالي إذا كان هناك تبادل بين المواد الموجودة بالسطح والمحيط، قد يؤثر ذلك على كيمياء المحيط الداخلي المالح، ولا سيما تحسين الظروف الملائمة للسكن".
ولا ينكر هاين على من يشكك في أهمية علوم الفضاء، مشيرا إلى أنه يفرق بين نوعين من المتشككين، أحدهم ذو شخصية عاطفية، والآخر ذو عقلية عملية.
وقال إن له تجربة شخصية يستطيع من خلالها توعية النوعين بأهمية علوم الفضاء، حيث يطلب من المجموعة الأولى طرح الأسئلة التي قد تكون لديهم حول الفضاء، فهذا يجعلهم متحمسين وفضوليين، ومن خلال ذلك يستطيع توصيل الرسالة، وإثبات قيمة علوم الفضاء.
أما بالنسبة لأولئك الذين يتمتعون بعقلية عملية للغاية، فيمكنه الإشارة إلى التطورات التكنولوجية العديدة التي تم إحرازها من خلال السعي وراء استكشاف الفضاء، وكذلك الوظائف ذات الأجور المرتفعة في هذا القطاع.
تطبيقات مصدرها استكشاف الفضاء
وبدوره، يركز أشرف شاكر، رئيس قسم الفلك بالمعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية بمصر، على التطورات التكنولوجية والعلاجية والعسكرية والصناعية، التي تم إحرازها من خلال السعي وراء استكشاف الفضاء، وقال في تصريحات للجزيرة نت إنها "أفضل رد على السؤال المتكرر حول أهمية اكتشافات الفضاء لحياتنا على الأرض".
وأضاف شاكر "ربما يقود السعي وراء الاكتشاف الجديد للكربون في (أوروبا) إلى طريقة معينة لإنتاج الكربون في القمر يكون لها تطبيق صناعي على الأرض، فما لا يعلمه البعض، هو أن الأقمار الصناعية المتخصصة في رصد غازات الاحتباس الحراري على الأرض وغيرها من مؤشرات المناخ، كانت من نتاج تكييف التطورات التكنولوجية اللازمة بعلوم الفضاء للتطبيقات على الأرض".
وأوضح أن "نتاج هذا التكييف يظهر في مجالات متعددة، فمثلا هناك أقراص غذائية تمنح لمرضى قرحة المعدة، مستمدة من الأقراص الغذائية التي تم تصنيعها لغذاء رواد الفضاء بمحطة الفضاء الدولية".
وأضاف أن "الهند مثلا التي أرسلت صاروخا للقمر مؤخرا، يمكنها تكييف هذا الإنجاز لتطبيق عسكري يتضمن إرسال صاروخ لأي مكان، وكذلك تستطيع أميركا التي أرسلت مركبة فضائية في مهمة طويلة حصلت خلالها على عينات من الكويكب (بينو)، إرسال أي مركبة لأي مكان على وجه الأرض للحصول على عينات أيضا، وهذا تطبيق عسكري محتمل".
المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية