الفلورية في الكائنات
الظاهرة موجودة أيضا في عدد من أنواع من الكائنات، فقد لوحظت في المرجان، والسلاحف البحرية، والضفادع، والعقارب، والسناجب الطائرة، والببغاوات، والأرانب، ونذكر جميعا أننا نرى أعين القطط في الظلام تضيء، حيث يظهر هذا الضوء الفلوري فيها عندما تمتص مادة كيميائية، مثل البروتين، الضوء فوق البنفسجي فينبعث منها ضوء خاص.
مع ذلك فمن غير المعروف مدى انتشار هذه الظاهرة بين الثدييات، كما أنه من غير الواضح بالنسبة لبعض الأنواع ما إذا كان التوهج هذا فلورية حقيقية أم لا، وما وظيفتها البيولوجية؟
لذا فقد حاول فريق من متحف غرب أستراليا بقيادة كيني ترافويون أمين علم الثدييات بالمتحف دراسة هذه الظاهرة في مجموعة الحيوانات المحفوظة في المتحف عبر تسليط الأشعة فوق البنفسجية عليها.
وكما تشير الدراسة التي نشرها الفريق في دورية "رويال سوسيتي أوبن ساينس" في 4 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، فقد حلل الفريق مجموعة فرعية من العينات المحفوظة وغير المحفوظة بواسطة التحليل الطيفي الفلوري في 3 أطوال موجية مختلفة، لتقييم ما إذا كانت هناك ظاهرة فلورية حقيقية أم مجرد تشتت بصري، وهل تلك الظاهرة طبيعية أو أنها من تأثير طرق حفظ العينات؟
كما درس الفريق ما إذا كان التألق مرتبطا بالسمات البيولوجية، وبحث عن الروابط بين نوع ودرجة التألق ونمط حياة كل نوع من الثدييات، في محاولة لمعرفة أي فوائد للتوهج تحت الأشعة فوق البنفسجية.
نطاق واسع من الثدييات
وكما يشير ملخص الدراسة فقد وجد الباحثون أن التألق منتشر على نطاق واسع في أصناف الثدييات؛ حيث حددوا أمثلة على هذه الظاهرة بين 125 نوعا تمثل جميع رتب الثدييات الحية البالغ عددها 27 رتبة و79 عائلة.
وبالنسبة لعدد من الأنواع، لم يكن هناك دليل على حدوث تحول في أطياف الانبعاث الضوئي من الكائن عندما تغير الطول الموجي المستخدم للإثارة، مما يشير إلى أن الثدييات "المتوهجة" كانت بالفعل فلورية، وقد أثرت طريقة الحفظ على شدة التألق.
كان التألق أكثر شيوعا وأكثر كثافة بين أنواع الكائنات الليلية، وتلك التي تحفر لتعيش تحت الأرض، حيث يكون الجزء الأكبر من أجسامها أكثر فلورية.
ولا يزال من غير الواضح للعلماء ما إذا كان للتألق أي دور بيولوجي محدد لدى الثدييات، ويبدو أنها خاصية موجودة في كل مكان في الفراء والجلد غير المصطبغين، ولكنها قد تعمل على جعل هذه المناطق تبدو أكثر إشراقا، ومن ثم تعزز من الإشارات البصرية، خاصة بالنسبة للأنواع الليلية.
نصف عائلات الثدييات
وكما يشير تقرير نشر على موقع "ساينس ألرت" فلم يقتصر التأثير المضيء على خلد الماء والومبات، والتي تم تحديدها على أنها أنواع متألقة بيولوجيا قبل بضع سنوات. فكل أنواع الثدييات التي فحصها فريق البحث كانت تنبعث منها صبغة خضراء أو زرقاء أو وردية أو بيضاء تحت ضوء الأشعة فوق البنفسجية.
فقد تحول الجزء الداخلي من آذان الثعلب الأحمر المدببة إلى اللون الأخضر اللامع، وأضاء الدب القطبي مثل قميص أبيض تحت ضوء أسود، وكذلك خطوط الحمار الوحشي البيضاء وفراء النمر الأصفر. كما أصبحت أجنحة الخفاش ذي الأنف الورقي البرتقالي هيكلا أبيض صارخا، بينما توهج فروه باللون الوردي. وأشرقت آذان وذيل البيلبي الأكبر برّاقة مثل الماس.
وقد أظهرت الدراسة أن التألق موجود في نصف عائلات الثدييات، وفي جميع الفروع الحيوية تقريبا، وفي جميع الرتب الـ27. وتشمل مناطق التألق الفراء الأبيض والخفيف، والريشات، والشوارب، والمخالب، والأسنان، وبعض الجلد العاري، وكان النوع الوحيد من الثدييات الذي لم تكن لديه فلورية خارجية هو الدلفين الدوار القزم؛ فقد كانت أسنانه فقط فلورية.
يعرف العلماء أنه يوجد بروتين يسمى الكيراتين في الأظافر والجلد والأسنان والعظام والريشات والشوارب والمخالب، وهو بروتين متألق حيويا، ويسبب الكيراتين أيضا تألقا في الشعر غير المصطبغ أو شاحب اللون. ولكن عندما رأى الباحثون تألقًا في الفراء المصبوغ، عرفوا أن مادة كيميائية أخرى غير الكيراتين هي التي تخلق هذا التأثير، مثل الفلور.
بعض وظائف الفلورية
يمكن للثدييات التي تكون أكثر نشاطا في الليل أو الغسق أو الفجر أن تستخدم التألق لتصبح أكثر وضوحا في ظروف الإضاءة المنخفضة للتزاوج أو الدفاع عن المنطقة. ويقول الفريق إن "التألق كان أكثر شيوعا وأكثر كثافة بين الأنواع الليلية".
يغلق خلد الماء أعينه تحت الماء للصيد، لذلك من غير المرجح أن يكون فراء بطنه المتوهج بمثابة إشارة بصرية مفيدة، مع ذلك، يمكن أن يكون هذا شكلا من أشكال التمويه الذي تعمد إليه العديد من الحيوانات المائية.
أو ربما يمتص خلد الماء الضوء فوق البنفسجي بدلا من عكسه من أجل الاختباء من الحيوانات المفترسة والفرائس التي تستطيع عيونها رؤية الطول الموجي للضوء.
كما كان الخلد الجرابي الجنوبي واحدا من أكثر الثدييات تألقا بسبب فرائه الأصفر والأبيض. لكن هذا النوع يعيش تحت الأرض. ويفترض الباحثون أن الكيراتين الموجود في فرائه قد يكون تم تعزيزه للحماية من جزيئات التربة الكاشطة، مع وجود الفلورية كأثر جانبي.
وعلى الرغم من الكثير من الشكوك، كانت هناك بعض الأدلة على أن التألق كان مفيدًا من الناحية التطورية في بعض الثدييات.
المصدر : ذا كونفرسيشن + ساينس ألرت + مواقع إلكترونية