يحدث كسوف الشمس عندما يمر القمر بين الأرض والشمس، ثم يحجب صورة الشمس كليا أو جزئيا عن الأرض، ويكون هذا الكسوف حلقيا عندما يكون القطر الظاهري للقمر أصغر من قطر الشمس، مما يحجب معظم ضوء الشمس ويتسبب في ظهورها على شكل دائرة تسمى "حلقة النار".
العلاقة بين الكسوف وميلاد الهلال
يقول عصام جودة مؤسس الجمعية المصرية لعلوم الفلك والرئيس السابق لها للجزيرة نت إن "كسوف الشمس هو الاقتران أو المحاذاة بين الشمس والقمر والأرض، والتي يمكن ملاحظتها، وهي علامة الدخول إلى مرحلة جديدة من القمر، حيث يولد هلال الشهر الجديد بعد الكسوف".
ويضيف جودة أن "معرفتنا بموعد الكسوف الحلقي قبل حدوثه بسنوات هي شهادة على دقة الحسابات الفلكية، لكن هذه الشهادة -التي تأكدت السبت بحدوث الكسوف في موعده- لن تجدي للأسف بعد شهور من الآن، وسيحدث اختلاف كل عام على موعد بداية شهر رمضان".
ويؤكد أن بعض الدول "لا تزال تشترط رؤية هلال رمضان رغم أنها في شهور أخرى تسير وفق الحسابات الفلكية، والمشكلة أن الرؤية تكون مرتبطة بعوامل كثيرة، منها الطقس الذي قد يحجب مشاهدة الهلال، لذلك فإن الأجدى هو الالتزام بالحسابات الفلكية طالما أنه لم يعد هناك مجال للتشكيك في دقتها".
ويؤيد رئيس قسم الفلك في المعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية أشرف شاكر ما ذهب إليه جودة، مشيرا في تصريحات هاتفية للجزيرة نت إلى أن دار الإفتاء المصرية والجهات المعنية في دول أخرى أعلنت في بيان لها أمس السبت (يوم حدوث الكسوف الحلقي) أن الاثنين هو أول أيام شهر ربيع الآخر، وهو ما يعني حدوث ميلاد لهلال الشهر الجديد بعد الكسوف.
وميلاد الهلال هو اللحظة التي يعبر فيها خط الاقتران الواصل بين مركز الشمس والقمر والأرض، حيث يكون اجتماعها على خط واحد مقدمة لميلاده.
ويتساءل متعجبا "لماذا لم تختلف أغلب الدول على تحديد بداية هذا الشهر، لكنها يمكن أن تختلف بعد شهور على تحديد بداية شهر رمضان".
ويقول إنه مع التقدم العلمي في الحسابات الفلكية لم يعد هناك مجال للخطأ، ولا بد من توحيد بدايات شهر رمضان بناء على تلك الحسابات التي توقعت كسوف السبت الحلقي قبل حدوثه بسنوات.
فوائد الكسوف الحلقي بين العرب والغرب
بدأ كسوف أمس السبت الحلقي للشمس في ولاية أوريغون الأميركية الساعة 09:13 بالتوقيت المحلي (17:13 بتوقيت غرينتش)، ومر عبر كاليفورنيا ونيفادا ويوتا ونيو مكسيكو، ووصل إلى تكساس الساعة 12:03 بالتوقيت المحلي (18:03 بتوقيت غرينتش)، ثم أصبح مرئيا عبر وسط وشمال أميركا الجنوبية.
ويعد هذا الحدث أول كسوف حلقي للشمس يعبر الولايات المتحدة منذ 20 مايو/أيار 2012، وإذا كانت استفادة العالم العربي والإسلامي من حدوثه -رغم عدم رؤيته- هي فائدة وحيدة تنحصر في التأكد من دقة الحسابات الفلكية الخاصة ببدايات الشهور العربية فإنه كان مفيدا في الولايات المتحدة والمكسيك وأميركا الجنوبية والوسطى، للاستمتاع برؤيته واختبار بعض الظواهر الطبيعية المصاحبة له، كما تم التخطيط لتجربة علمية تم تنفيذها.
ويقول ماجد أبو زهرة رئيس ومؤسس الجمعية الفلكية بجدة في بيان تلقت الجزيرة نت نسخة منه إن "هناك الكثير مما يمكن تجربته أثناء الكسوف الحلقي، مثل التغيرات في أصوات العصافير والحشرات، فمن المعروف أن الحياة البرية تستجيب لانخفاض ضوء الشمس، ويمكن باستخدام التلسكوبات المزودة بمرشح خاص بالشمس مشاهدة حبيبات رائعة من ضوء الشمس (خرزات بيلي) تتلألأ عبر الجبال القمرية، خاصة حول القطبين الشمالي والجنوبي للقمر".
وأوضح أبو زهرة أنه "إضافة إلى ذلك تم استغلال الحدث لإجراء تجربة علمية ضمن مسار الكسوف الحلقي في المنطقة القطبية لدراسة طبقة (الأيونوسفير) في الغلاف الجوي لكوكبنا باستخدام هوائيات ضمن شبكة من مشغلي الاتصالات اللاسلكية لاختبار قوة وصول إشارات الترددات العالية كمقياس لتحديد تأثير الكسوف على الغلاف الجوي للأرض، لمعرفة مقدار تأثر طبقة الأيونوسفير بكسوف الشمس ومدة بقاء ذلك التأثير ومقارنة النتائج بالكسوفات السابقة والقادمة".
فوائد أكبر للكسوف الكلي
ورغم هذه الفوائد فإن شاكر يؤكد على أن علماء الفلك يكونون أكثر اهتماما وحماسا بشأن كسوف الشمس الكلي، لأنه يمكنهم وقتها رؤية (الهالة الشمسية) بسهولة، لذلك سيكون الكسوف الكلي الذي سوف يحدث في 8 أبريل/نيسان من العام القادم أكثر أهمية من الناحية العلمية.
ومنذ العصور القديمة لم يعلمنا كسوف الشمس عن كوكبنا فحسب، بل عن نظامنا الشمسي وطريقة عمل الكون ككل، وقد كان الإغريق والرومان القدماء هم أول من بدؤوا في اكتساب بعض المعرفة العلمية أثناء الكسوف الكلي، حيث لاحظوا ظواهر مختلفة مثل الهالة الشمسية (الغلاف الجوي الخارجي للشمس)، والذي يظهر بوضوح أثناء الكسوف الكلي.
ويقول شاكر إن "فهم الهالة الشمسية يساعد العلماء على فهم أقرب نجم لنا بشكل أفضل، والذي يؤثر على الأرض بطرق متعددة، بدءا من طقسنا إلى غلافنا الجوي، وحتى طريقة تواصلنا".
تاريخ من الأبحاث والاكتشافات
وأدى تاريخ الملاحظات أثناء الكسوف الشمسي الكلي إلى فهم أفضل لكيفية تأثير انبعاث الجسيمات من الشمس على الأرض، حيث يمكن لتلك الجسيمات -التي تسمى الانبعاثات الجماعية الإكليلية- أن تشكل تهديدا لرواد الفضاء وتعطل الاتصالات والأقمار الصناعية، بل وتتسبب في انقطاع التيار الكهربائي كما حدث في كيبيك بكندا عام 1989.
كما أدى كسوف الشمس عام 1868 إلى اكتشاف عنصر جديد هو الهيليوم، فعلى الرغم من أنه أحد العناصر الأكثر وفرة في عالمنا فإنه لم يتم العثور عليه على الأرض حتى عام 1895.
وخضعت نظرية النسبية العامة لألبرت أينشتاين -التي ينص جزء منها على أن الجاذبية يمكنها ثني الضوء- لأول اختبار تجريبي من قبل الفيزيائي البريطاني آرثر إدينغتون خلال كسوف كلي للشمس في 29 مايو/أيار 1919.
ومن أجل إجراء التجربة قام إدينغتون بتصوير وقياس مواقع النجوم المختلفة في السماء قبل وبعد كسوف الشمس، وكانت فكرته أنه إذا كان أينشتاين على حق فإنه يجب أن تبدو النجوم وكأنها تنحني قليلا عن مكانها الطبيعي في السماء.
وأثبت إدينغتون صحة نظرية أينشتاين التي أصبحنا الآن قادرين على رؤية تأثير أكثر دراماتيكية لها، مع انحناء الضوء من المجرات البعيدة.
وسيكون العلماء على موعد بعد شهور مع فوائد علمية جديدة يتم التخطيط لاقتناصها من الكسوف الكلي القادم في 8 أبريل/نيسان 2024، فيما الكسوف الحلقي القادم سيكون في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول 2024.
المصدر : الجزيرة