زلازل كارثية
تلا ذلك في 8 سبتمبر/ أيلول الماضي زلزال آخر ضرب المغرب بقوة 6.8 درجات، وكان مركز الزلزال على بُعد نحو 75 كلم جنوب غرب مراكش قرب بلدة إغيل في جبال الأطلس، وتسبب بوفاة قرابة ثلاثة آلاف شخص. وبحسب هيئة المسح الجيولوجي الأميركي فمنذ عام 1900 لم يقع أي زلزال بقوة 6 أو أقوى ضمن مسافة 500 كلم من هذا الزلزال.
ومن المغرب وتركيا إلى أفغانستان التي شهدت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي زلزالا تسبب بمقتل أكثر من 2400 شخص في مناطق ترتفع فيها بالفعل احتمالات وقوع الزلازل، حيث تقف جميعها أعلى "الحزام الألبي"، وهو حزام زلزالي وجبلي يمتد لأكثر من 15 ألف كيلومتر على طول الهامش الجنوبي من قارتي آسيا وأوروبا.
ويبدأ الحزام الألبي من سومطرة، ثم يمر عبر شبه جزيرة الهند الصينية، ومن ثم جبال الهيمالايا وما وراءها، ثم جبال إيران والقوقاز والأناضول وصولا إلى البحر الأبيض المتوسط، وحتى المحيط الأطلسي، وهذا الحزام مسؤول عن 17% من الزلازل الكبرى في العالم.
فيضانات متكررة
لكن إلى جانب ما سبق من كوارث طبيعية، كانت هناك كوارث أخرى قاسية غمرت عام 2023، ويعتقد العلماء في هذا النطاق أنها تتأثر بشكل مباشر أو غير مباشر بالتغير المناخي، حيث يستمر ارتفاع متوسط درجات الحرارة بشكل متسارع عاما بعد عام، وسجلت بعض المصادر البحثية عام 2023 على أنه الأكثر حرارة في تاريخ القياس.
وعلى سبيل المثال، بحسب تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، فإنه بات من الواضح أن التغير المناخي أثر بشكل ملحوظ في العديد من المتغيرات المرتبطة بالمياه مثل هطول الأمطار ونشاط الرياح الشديدة، وهي ظواهر ترفع من شدة وسرعة وتيرة الفيضانات.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن ذوبان الأنهار والصفائح الجليدية يرفع من مستويات سطح البحر عالميا، حيث أصبحت محيطات الأرض وبحارها أعلى بنحو 20 سنتيمترا مقارنة بما كانت عليه في عام 1900، وهو المعدل الأعلى للارتفاع في قرنٍ واحد خلال الألفي عام الماضية، وهو ما يسهل من مرور مياه البحار إلى المدن أثناء الفيضانات.
ويتسبب احترار الغلاف الجوي لكوكب الأرض بزيادة نسبة الرطوبة في الهواء، مما يزيد من احتمالية هطول الأمطار. إلا أن هطول الأمطار في هذه الحالة يحمل بعض الجوانب السلبية؛ إذ يتسبب ارتفاع درجات الحرارة أيضا بزيادة جفاف التربة، لتقلّ نسبة امتصاصها لمياه الأمطار، وتسهم بالتالي في انتشار المياه إلى مناطق أبعد من المعتاد.
ويظهر ذلك في عدد من الفيضانات الكارثية في عام 2023 وعلى رأسها فيضانات ليبيا التي أودت بحياة أكثر من 11 ألف شخص.
وكذلك فإنه ابتداء من 29 يوليو/تموز الماضي، شهدت 16 مدينة ومقاطعة على الأقل في شمال شرق الصين هطول أمطار وفيضانات قياسية بسبب إعصار دوكسوري، وشهدت بكين أشد هطول للأمطار منذ قرابة قرن ونصف.
وللأسف لم تتوقف الأمطار الغزيرة والأعاصير، بل امتدت بكثافة خلال شهر أغسطس/آب الماضي فتعرضت جميع أنحاء الصين للكثير من الانهيارات الطينية والفيضانات المفاجئة.
وفي هاييتي تسبب الطقس المضطرب بضرب سبع من المقاطعات العشر في البلاد ونزوح أكثر من 13 ألف شخص خلال يونيو/حزيران 2023، وتعرضت عدة بلدان لفيضانات كبيرة من ثلاثة أنهار أودت بحياة أكثر من 50 شخصا.
وربما كانت الفيضانات هي الكارثة الطبيعية الأكثر تكرارا في 2023، حيث شهدت دول مثل البرازيل وغانا والهند والمملكة المتحدة وجنوب أفريقيا وكوريا الجنوبية والإكوادور والكونغو الديمقراطية وموزمبيق وزامبيا فيضانات خلال هذا العام.
أعاصير زادت قوتها
كانت الفيضانات تقع دائما، لكن التغير المناخي تسبب في زيادة معدلاتها وشدتها وطول كل منها، وينسحب ذلك أيضا على كوارث طبيعية أخرى، حيث يتسبب ارتفاع درجة حرارة سطح الماء في بحار ومحيطات العالم -بسبب التغير المناخي- في زيادة شدة ومعدلات وطول الأعاصير.
ويستقي أي إعصار طاقته من حرارة المحيط، حيث يستخدمها لتغذية دورانه مما يرفع من سرعة رياحه، ولذلك فإنه أصبح من المؤكد بالنسبة للعلماء في هذا النطاق أنه كلما ارتفعت درجة الاحتباس الحراري، أصبحت الأرض عرضة لأعاصير أكثر قسوة وسرعة عن ذي قبل.
ويلاحَظ ذلك بالفعل في بيانات الأعاصير العالمية، حيث ارتفع عدد الأعاصير من المقياس 4 و5 (تلك التي ترتفع سرعة الرياح فيها عن 200 إلى 250 كلم في الساعة) من معدل 10 أعاصير في السنة في سبعينيات القرن الفائت، ليصل في التسعينيات إلى 18 إعصارا في السنة.
ويظهر ذلك بوضوح في عدة كوارث طبيعية وقعت في عام 2023، منها مثلا إعصار أوتيس الذي ضرب الساحل المكسيكي على المحيط الهادي في 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي مع رياح تبلغ سرعتها 250 كيلومترا في الساعة، متجاوزا إعصار باتريشيا كأقوى إعصار مسجل يصل إلى اليابسة.
وأدى هذا الإعصار إلى تدمير ما يقرب من 80% من الفنادق و96% من الشركات في مدينة أكابولكو المكسيكية التي مر خلالها.
وإلى جانب ذلك، شهدت بعض الدول -مثل الولايات المتحدة الأميركية- موسم عواصف استثنائيا دفع بعض الوكالات مثل الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي لإعلان 2023 على أنه العام الأكثر كلفة من حيث إدارة الكوارث الطبيعية.
فقد تأكد ما لا يقل عن عشرات الأعاصير الموثقة في عام 2023 داخل الولايات المتحدة، وتجاوزت الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2023 المتوسط، وكان عام 2023 واحدا من أعلى الأعوام المسجلة في الولايات المتحدة بالنسبة لعدد الوفيات بسبب العواصف مع 76 حالة وفاة.
حرائق الغابات
ويبدو أن 2023 كانت كذلك من السنوات التي سجلت حالات قاسية من حرائق الغابات، نتذكر مثلا حرائق الغابات في الجزائر خلال خلال شهر يوليو/ تموز الماضي، حيث شهدت البلاد قرابة 100 حريق في 16 ولاية تسببت بمقتل 34 شخصا على الأقل بينهم 10 جنود. ولعب الطقس الحار والرياح الشديدة دورا في تأجج تلك الحرائق، حيث وصلت درجة الحرارة أثناءها إلى 48 درجة مئوية.
ويتسبب التغير المناخي بارتفاع تردد الموجات الحارة وموجات الجفاف حول العالم، ومع الجفاف تخزن النباتات كمية أقل من الماء وتنمو ببطء، ويؤدي ذلك إلى المزيد من تساقط الأوراق الجافة الخاصة بها وموت الأشجار نفسها سريعا، ما يوفر بيئة مناسبة لانتشار الحرائق.
وطبقا لورقة بحثية صدرت قبل عدة أعوام بدورية "نيتشر"، فإن حرائق الغابات المطيرة في الأمازون على سبيل المثال ليست حدثا طبيعيا، ولكنها اتحاد بين عنصرين؛ الأول هو الجفاف الشديد الذي يتزايد يوما بعد يوم بسبب التغير المناخي، والثاني هو الأنشطة البشرية التي تؤثر بالسلب على طبيعة تلك الغابات.
وإلى جانب حرائق الغابات في الجزائر، اندلعت حرائق الغابات بمستوى غير مسبوق في دول عدة، ففي أوروبا مثلا سجلت اليونان أقوى موجة من انبعاثات الغازات الدفيئة صادرة من حرائق الغابات على الإطلاق خلال 2023، وفي المحيط الهادي أصبح الحريق الذي اندلع في جزيرة ماوي بهاواي هو أشد حرائق الغابات فتكا في الولايات المتحدة منذ أكثر من قرن.
كما كانت حرائق الغابات في تشيلي، والتي بدأت في يناير 2023، واحدة من الحالات المتطرفة كذلك، حيث تطورت لتصل لما لا يقل عن 406 حرائق، وصُنفت العشرات منها على أنها حرائق خطيرة، قضت في مجموعها على أكثر من مليون فدان، وأسفرت عن مقتل 24 شخصا، مما دفع الحكومة إلى إعلان حالة الطوارئ في مناطق متعددة من البلاد.
المصدر : مواقع إلكترونية + ناسا