وحسم أحدهم الموضوع عندما سأل المضيفة التي أجابت: "نعم إنها الكابتن وداد شجاع".
شعر بعض الركاب بنوع من الزهو بأن تكون فتاة من بلدهم قائدة طائرة ركاب نفاثة… والبعض الآخر توجس خوفاً، من منطلق انعدام الثقة بقدرة المرأة على الجلوس في مقاعد الرجال، حتى هبوط الطائرة في مطار أورلي الباريسي.
والكابتن وداد شجاع، شابة من سورية انضمت الى كوكبة الفتيات العربيات اللواتي دخلن هذا الميدان بجدارة، وهن يقدن موديلات عدة من الطائرات النفاثة الحديثة على مختلف الخطوط الدولية.
وهي كريمة الطيار السوري الكابتن عدنان شجاع، لذا كان سؤالنا الأول حول مدى تأثرها بأبيها في هذا المجال؟
- من الطبيعي ان يتأثر الأبناء بآبائهم، بدليل أنني وأخي دخلنا مجال الطيران، لكني أحب ان أشير الى ملاحظة وهي انني احببت الطيران منذ الصغر… كنت أستمتع بالسفر ولا أشعر بالخوف عند ركوب الطائرة وأحاول الاطلاع على مجلات الطيران والكاتالوغات الخاصة بالطيران، وأتابع ما ينشر عن حياة وتجربة رائدة الطيران النسائي تاميلي ايرهلرت التي قطعت المحيط الأطلسي على متن طائرة صغيرة، والقي الكثير من الأسئلة على والدي كلما عاد من احدى رحلاته.
وعندما عرضت عليه فكرة التوجه نحو هذا الاختصاص، لم يأخذ الموضوع في اول الأمر مأخذ الجد ولكنه، أمام اصراري قال لي: مجال الطيران ليس سهلاً كما تتصورين، خصوصاً بالنسبة للمرأة… انه يحتاج الى مؤهلات كثيرة، وسوف أفسح لك مجال التجربة المبدئية لمدة عشر ساعات، وبعد هذه التجربة سنرى إذا كان يمكنك المتابعة أم لا. كان حلمي بالطيران يشكل نوعاً من الحافز الدائم ولهذا اجتزت التجربة الأولى بنجاح، وكان ذلك في الشهر السابع من العام 1996.
بعد هذه التجربة بدأت مراحل التدريب، وتفوقت فيها، فتقرر ارسالي من قبل الشركة الى الولايات المتحدة لاستكمال التدريب على المراحل الأربع الأساسية من الطيران: الطيران الخاص، الطيران الآلي في الظروف الجوية الصعبة، الطيران من بلد الى بلد، والطيران التجاري.
في البداية، تدربت آلياً في المركز الخاص بالتدريب، ثم على الطائرات الصغيرة، ثم على الطائرات النفاثة، وأنا أقود الآن طائرة بوينغ 727.
< ما هي أهم الصفات التي يجب ان يتحلى بها قائد الطائرة؟
- قوة الأعصاب والهدوء، والانتباه والتيقظ، واتخاذ القرار المناسب في الحالات الاستثنائية والطارئة.
< شعار الخطوط الجوية السورية كان دائماً "الأمان". ما مدى صحة هذا الشعار في الواقع… وهل هناك خطوط غير آمنة؟
- ليس المقصود بهذا الشعار ان هناك خطوطاً آمنة وأخرى غير آمنة، فجميع شركات الطيران في العالم تسعى لتحقيق أقصى درجات الراحة والأمان لركابها على متن طائراتها… وشعار شركتنا، توفير أقصى درجات الراحة والأمان للركاب، وهي متوفرة للشركة منذ زمن بعيد. والذي يتابع سجلات الشركة يتأكد من هذه الحقيقة، وبهذا نجد أن الأمر ليس مجرد اعلان…
< والسبب؟
- لدينا مجموعة من الطيارين يتمتعون بمستوى عال من الخبرة، بشهادة الخبرات الدولية، كما ان الصيانة، وهذا أمر بالغ الأهمية، تتم في الشركة تحت رقابة صارمة، فالصيانة هي نصف السلامة ان لم يكن أكثر.
< في حال وقوع شغب أو محاولة اختطاف، أو أي نوع من الفوضى على متن الطائرة، كيف تتصرفين كقائد للطائرة؟
- لا بد في مثل هذه الحالات من استخدام الحكمة والهدوء في معالجة هذه الحوادث الطارئة التي قليلاً ما تقع، فإذا تعثر الأمر، يمكن اللجوء الى الحزم دون تعريض الطائرة للخطر، حتى الهبوط في المطار الذي تتجه اليه الرحلة أو في أقرب مطار اذا كان الأمر يستدعي ذلك.
< هل يستطيع الطيار الذي يقود طرازاً معيناً من الطائرات النفاثة الحديثة ان يقود طائرات مماثلة من طراز آخر؟ مثلاً، هل يستطيع الطيار الذي يقود طائرة من طراز بوينغ ان يقود طائرة من طراز ايرباص؟
- يمكن ذلك بعد ان يتبع دورات تدريبية كاملة على الطراز الآخر، اذ ان هناك اختصاصات وشهادة بالنسبة لهذا الموضوع، فأنا الآن أحمل شهادة قيادة الـ بوينغ 727 ، وفي مرحلة لاحقة يمكن ان أدخل دورة تدريبية على قيادة الـ بوينغ 747 أي الجامبو.
< ما رأيك بظاهرة ازدياد عدد الفتيات العربيات اللواتي أصبحت يقدن طائرات نفاثة في الوطن العربي؟
- لا شك أنها ظاهرة حــضارية، وهي مؤشر مهم على التقدم الذي حققه مجتمعنا العربي، علماً ان هذه الخطوات برأيي جاءت متأخرة نسبياً.
< ما السبب برأيك؟
-لقد اعتدنا على بعض الأقوال التي أصبحت وكأنها حقائق لا تقبل الجدل، ومنها ان هناك أعمالاً هي للرجال فقط دون النساء… وإذا كان هذا ينطبق على بعض الحالات، فهذا لا يعني انه يجب ان يكون حكماً مطلقاً. فالمرأة، مثلاً، لا تستطيع ان تكون عاملة في أعماق المناجم، كما ان الرجل لا يستطيع ان يكون مربياً للأطفال. إلا ان هناك أعمالاً واختصاصات كثيرة يمكن ان تقوم بها المرأة الى جانب الرجل وحتى تتفوق فيها، ومنها قيادة المركبات في الأرض والجو… وكلنا يعلم ان احدى الرحلات الأميركية المأهولة الى الفضاء الخارجي للكون كانت بقيادة امرأة، وهي احدى رائدات الفــضاء الاميركيات.
< كنت تسافرين في الطائرة كراكب، واليوم تسافرين قائدة للطائرة… ما الفرق بين الحالتين؟
- في الحالة الأولى، استسلم لتأملاتي وأنا جالسة في مقعد الركاب، وقد استسلم للنوم… أما الحالة الثانية فهي حالة مسؤولية توجب الكثير من اليقظة، وليس هناك أي تأملات ولا نوم أبداً، أبداً.
< ماذا عن الطيار الآلي، وهل استخدامه ضروري أو أكثر أمناً؟
- حالات استخدام الطيار الآلي يفرضها طراز الطائرة التي تقودها، وأنا استخدم الطيار الآلي في التحليق ولكن ليس في الهبوط.
< هل لقيت بعض المتاعب في توجهك الى هذا الاختصاص؟
- على العكس… لقد لقيت رعاية كبيرة ان كان من أهلي أو من رؤسائي، أو من زميلاتي، وأنا سعيدة لكوني أول فتاة سورية تقود طائرة نفاثة، وأتمنى ان يزداد عدد الفـتيات في هذا المجال.
< هل لك هوايات أخرى غير الطيران بعد ان أصبح مهنة؟
- الطيران بالنسبة لي هواية ومهنة… فأنا أمارس الطيران بروح الهواية وتقنية الاحتراف… أما بقية هواياتي فأنا أعزف على البيانو وأمارس الفروسية.
< هل يمكن ان يخلق وضع امرأة متفوقة او متميزة مثلك في مثل هذا الميدان نوعاً من الخلل بينها وبين زوجها أو زوج المستقبل إذا كان عمله في مستوى أدنى أو أقل من عملك؟
- لا أتوقع هذا، علماً بأنني لم أدخل تجربة الزواج بعد، ولكني أتصور ان الزوج في مثل هذه الحالة يمكن ان يتفهم الحالة، وأن يكون عوناً لزوجته على أداء عملها بصورة ناجحة خصوصاً إذا كانت ملتزمة بواجباتها كزوجة بحيث تشعره دائماً في البيت أنه هو… الكابتن.