ولد فارس خوري في كفير حاصبيا التابعة لمحافظة البقاع في لبنان، عام 1873 ودرس في مدرستها ثم في مدرسة داخلية في صيدا تابعة للمرسلين الأميركيين، ثم في الكلية الإنجيلية السورية التي صارت الجامعة الأميركية في بيروت. وفي عام 1892 درّس اللغة العربية في مجدل شمس وصيدا. ثم عاد إلى الجامعة وحصل على شهادة بكالوريوس في العلوم عام 1897. وبعدها عيّنه رئيسها الدكتور دانيال بلس لتدريس اللغة العربية والرياضيات فيها. ودرّس كذلك في دمشق، وعمل ترجماناً في القنصلية البريطانية حتى إعلان الدستور العثماني عام 1908؛ وفي تلك الأثناء درس الفرنسية والتركية ودرس الحقوق وحده. وهذا الحقوقي غير المأذون أصبح أستاذاً في معهد الحقوق في دمشق ونقيباً للمحامين وعضواً في لجنة الحقوق الدولية التابعة لهيئة الأمم المتحدة. وكان فارس الخوري ينظم الشعر، ومن أهم قصائده قصيدته عن الحرب الروسية اليابانية (1904-1905) وكانت بـ500 بيت.
ودخل فارس الخوري معترك السياسة بانتمائه إلى جمعية الاتحاد والترقي، ثم صار عضواً في مجلس المبعوثان عام 1908. فألقى خطابات في تحسين مستوى التعليم والبريد والبرق. وتصدى لمسألة فتح المكاتيب ومراقبتها. وقال في انحطاط المدارس السلطانية: "هذه مدرستنا السلطانية في بيروت تأسست منذ 39 سنة ولا يبلغ عدد طلابها مائتي طالب في حين أن عدد الطلبة في الكلية الأميركية ألف ومئة طالب، وفي كلية اليسوعيين في بيروت 700 طالب، وفي مدرسة الفرير 700 أيضاً" (ص 34). ودافع فارس الخوري عن الأرمن في السلطنة وقاوم اضطهادهم. ودارت بينه وبين جمال باشا السفاح صولات وجولات ما بين 1916-1918. فتوسط لديه بشأن سجناء عاليه من زعماء العرب. ولكن جمال باشا اتهمه بالتآمر على الدولة وكاد أن يبطش به. لقد سجنه في قلعة دمشق لمدة أربعة أشهر؛ وبسبب حجته القوية في الدفاع عن نفسه اضطر جمال باشا إلى الإفراج عنه (28 كانون الثاني/ يناير 1917). ونظم قصيدة طويلة عن شهداء 6 أيار قال فيها:
أبكي ومعذرةً عيني إذا ذرفتْ على الغطاريفِ منا والأساطينِ
على الشيوخ على رهط الفتوةِ بلْ على الليوثِ على الغرّ الميامينِ
قد عابهمْ بقضاء الترك أنهم أصحاب قلب بحبّ العربِ مفتونِ
قلْ للألى عفّروا حرّ الوجوه على أقدام طاغيةٍ دامي السكاكينِ...
وبعد سقوط السلطنة عاد فارس الخوري إلى دمشق واشترك في رفع العلم العربي على دار الحكومة. وأعلن النظام الملكي للأمير فيصل في 8 آذار/ مارس 1920. وبدأ تنظيم الدولة الناشئة. فأسس المجمع العلمي العربي في 30 تموز/ يوليو 1919، وكان فارس الخوري من مؤسسيه. وعُيّن وزيراً للمالية في أول وزارة لسورية المستقلة. ولكن تطبيق معاهدة سايكس بيكو بدأ يتبلور في الواقع. وانتهى عهد الاستقلال الأول، لأن فرنسا، بالتواطؤ مع الإنكليز، قرّرت فرض الانتداب. وأثناء الحكم الانتدابي الفرنسي لم يشغل فارس الخوري أي وزارة أو رئاسة. بقي أستاذاً في معهد الحقوق من 1919 حتى 1940 فألّف ثلاثة كتب حقوقية صقل فيها المصطلحات الحقوقية باللغة العربية. وساهم في استجرار مياه نبع الفيجة إلى دمشق، ودُشن المشروع في 3 آب/ أغسطس 1932. وكنقيب للمحامين تصدى لمشروع المحاكم المختلطة التي شاءت السلطات الفرنسية فرضه على السوريين. وكان فارس الخوري من مؤسسي حزب الشعب ووضع نظامه الداخلي. وكان رئيسه عبد الرحمن شهبندر، ونائب رئيسه فارس الخوري. وفي 6 أيار 1925، في ذكرى الشهداء، أنشد فارس الخوري بضعة أبيات من قصيدته التي بكى فيها رفاقه في الحرب الكبرى والذين أعدمهم جمال باشا. ومنها:
الحظ قدّمهم عني وأخّرني حتى أرى دول التاميز والسِينِ
تُسدي الوعود بتحقيق العهود لنا عن كل حق بالاستقلالِ مضمونِ
لا بد أن يُرجعوا للشام وحدتها من بعد ما فصلوها عن فلسطينِ
من الفرات إلى الأردن رابطةٌ مثل التي بين صنينَ وقيسونِ
واندلعت الثورة في 22 تموز/ يوليو 1925 في محافظة السويداء بقيادة سلطان الأطرش. واعتبر الفرنسيون أن حزب الشعب وراءها، فاعتقلوا زعماءه ومنهم فارس الخوري ونفوهم إلى جزيرة أرواد، حيث أمضى فارس الخوري 76 يوماً في إحدى الزنازين. ثم نفي إلى الحسكة لمدة 80 يوماً، ثم فرضت عليه الإقامة الجبرية ووضع تحت المجهر. وساهم في تأسيس "الكتلة الوطنية" التي قادت البلاد إلى الاستقلال. وساهم الخوري في وضع النظام الداخلي لبعض الشركات الأهلية كشركة الاسمنت والزجاج. وعام 1936 بدأت المفاوضات مع فرنسا لإنهاء الانتداب فسافر الخوري مع هاشم الأتاسي وجميل مردم بك وسعد الله الجابري إلى فرنسا التي استلمت الحكم فيها الجبهة الشعبية اليسارية النهج التي كانت تميل إلى إنصاف السوريين. فصدر نص معاهدة لتحضير البلاد إلى الاستقلال. وترشّح فارس الخوري في الانتخابات النيابية فنجح فيها بنسبة عالية جداً، وكُلف الخوري برئاسة البرلمان من 1936 إلى 1939.
شارك فارس الخوري في المؤتمر البرلماني العربي في القاهرة عام 1938 بكلمة فنّد فيها أسانيد الحركة الصهيونية في المطالبة بدولة يهودية في فلسطين. وراحت شهرته تنتشر على مستوى العالم العربي والدولي. وبالإضافة إلى رئاسته مجلس النواب عدة مرات، صار رئيساً لمجلس الوزراء في 14 تشرين الأول/ أكتوبر 1944 وشكّل الوزارة أربع مرات. ووقّع ميثاق الجامعة العربية عام 1945. وفي السنة ذاتها أعلنت سورية الحرب على دول المحور، بإيعاز من فارس الخوري.
وبعد انتهاء الحرب دخل فارس الخوري ميدان العمل الدولي ومثّل سورية في إنشاء منظمة الأمم المتحدة وألقى خطبة عن الدور العتيد لهذه المنظمة، فنال تقدير وفود 51 دولة. وبهذه الخطبة انتقل فارس الخوري من شخصية شرقية إلى شخصية عالمية، فهنأه مولوتوف وشكره ستاتينيوس (وزير الخارجية الأميركي) ودعته جامعة جنوب كاليفورنيا ومنحته دكتوراه فخرية، وذلك "بناء على توصية لجنة مشتركة من أمناء الجامعة وأساتذتها اعترافاً بأعماله الممتازة في ميدان العلاقات الدولية".
وقبيل عودته إلى البلاد نشأت أزمة جديدة بين سورية وفرنسا، فتراجعت هذه الأخيرة عن الانسحاب طالبة امتيازات ثقافية واقتصادية وعسكرية رفضها السوريون. فقصف الطيران الفرنسي دمشق في 29 أيار 1945 وأُطلقت القنابل على البرلمان وقُتلت حاميته ومُثّل بأفرادها. وبذل فارس الخوري أقصى جهوده في قضية الجلاء عن سورية ولبنان أمام مجلس الأمن. قال في جلسة مجلس الأمن التي عُقدت في لندن في 17 كانون الثاني/ يناير 1946: "إن الجيوش الفرنسية والبريطانية لا تزال في سورية ولبنان بالرغم من أن حالة الحرب قد انتهت. إن وجود هذه الجيوش الذي يشكّل مساساً خطيراً بسيادة الدولتين العضوين في الأمم المتحدة قد يؤدي إلى منازعات خطيرة. وقد برهنت الحوادث في الماضي في 20 أيار/ مايو 1945 أن بعض هذ الجيوش كانت تهدد السلام بصورة دائمة في هذه المنطقة". وفي الجلسة العشرين لمجلس الأمن، أصرّ فارس الخوري على ضرورة جلاء الجيشين الفرنسي والإنكليزي من سورية ولبنان في وقت واحد. وأيدت أميركا والاتحاد السوفياتي المطلب السوري اللبناني العادل، واتخذ قرار في مجلس الأمن يقضي بانسحاب الجيشين الفرنسي والإنكليزي. تمّ هذا بفضل فارس الخوري وحميد فرنجية اللذين توصلا بحصافتهما وحكمتهما إلى إقناع أعضاء مجلس الأمن بضرورة إجلاء كافة الجيوش الأجنبية من سورية ولبنان الذي نُفذ في 15 نيسان 1946.
وعُيّن فارس الخوري مندوباً لسورية في مجلس الأمن والدكتور قسطنطين زريق وكيلاً عنه. وانتخِبت سورية عضواً في مجلس الأمن لمدة سنتين بأكثرية 45 صوتاً من أصل 53. وترأس مجلس الأمن مرتين عامي 1947 و1948. وفي هاتين السنتين نوقشت مسألة جلاء القوات الإنكليزية عن مصر والسودان، وتكللت بالنجاح. ولكن إنقاذ عروبة فلسطين التي استمات فيها فارس الخوري أخفقت بسبب تواطؤ الصهاينة مع بعض الدول المؤثرة في مجلس الأمن. فحارب قرار التقسيم وأيد تدخل الجيوش العربية لصد سياسة الأمر الواقع.
ولعل حكايته المشهورة مع المندوب الفرنسي في مجلس الأمن ما يعبّر عن ذكائه عندما قام بالجلوس على المقعد الخاص بالمندوب الفرنسي، الذي فوجئ به يحتل مقعده، فطلب منه الانتقال إلى المقعد الخاص بسورية، لأن هذا المقعد مخصص له، وأشار له إلى المكان المخصص للمندوب السوري، إلا أن فارس الخوري تجاهل ما يقوله المندوب الفرنسي، وأخرج ساعته من جيب سترته وراح يتأمل فيها، بينما المندوب الفرنسي يلح في طلبه، حتى كاد أن يستشيط غضباً، فما كان من فارس الخوري إلا أن أجابه بلغة فرنسية واضحة وصوت جهير سمعه جميع من في القاعة: "بلدي يا سيادة المندوب احتملت احتلالكم لها خمسة وعشرين عاماً، وأنت لم تحتمل جلوسي على مقعدك 25 دقيقة".
في نهاية 1948، وبعد أن مثّل فارس الخوري سورية في مجلس الأمن وترأسه مرتين عاد إلى سورية، صار مرجعاً في فض الخلافات العربية والعالمية. وكتب مراسل جريدة المصري عن ذلك ما يلي: "اليوم ينتهي عام 1948 وتنتهي بانتهائه عضوية بعض الدول في مجلس الأمن وتبدأ عضوية دول غيرها... وإذا كان علينا أن نودّع دولة من هذه الدول التي تنتهي عضويتها لا نجد غير سورية... نودعها في شخص ذلك الرجل الذي مثّلها، ومثّل العرب أجمعين، وهو دولة فارس الخوري بك البطل العربي الذي يبلغ من العمر 76 سنة، والذي كانت وفود العالم تنظر إليه على اعتبار أنه مثلٌ يُضرَب للنشاط الذي لا يكلّ والشجاعة التي لا يؤثّر فيها شيء... إن دولة الخوري بك حقق المعجزات، وسلك طوال عمره طريقاً واحداً لم يحد عنه، طريق الإنسانية الحقة، الإنسانية التي تتلخص في حق كل بشر أن يعيش حراً محتفظاً بكرامته... وإذا سألت في دوائر هيئة الأمم المتحدة عن الرجل الذي يحبه الجميع ويفديه الجميع، ويهتم برأيه الجميع، فإن الجواب على سؤالك هو فارس الخوري". واستقبل فارس الخوري بحفاوة رسمية وشعبية عند عودته إلى دمشق.
وفي عام 1949 بدأت أزمة الانقلابات العسكرية في سورية. ومما قاله فارس الخوري لحسني الزعيم: "سامحك الله... لقد فتحت باباً يصعب على التاريخ إغلاقه". واعتزل الخوري العمل النيابي والوزاري في ظل الحكومات العسكرية (1949-1954). ولكنه بقي يعمل في هيئة الأمم المتحدة في مجال القانون الدولي وقضية السلم العالمي وتخفيض التسلّح. وظلّ يذهب شهراً في السنة إلى جنيف ليحضر لجنة القانون الدولي إلى أن وافته المنية في 2 كانون الثاني/ يناير 1962 وشيّعته سورية إلى مثواه الأخير بكل أطيافها وأحزابها.