وفي كلَّ موقعة من هذه الحرب؛ كان الجيش السوري يُسجلُّ أسطورته.. شجاعة ندر أن توجد في أي جيشٍ في العالم، وثمة أسماء لجنود سوريين؛ وصلت حد القداسة في الفداء والبسالة، لن يكون آخرهم باسل قرفول بطل حلب وحاميها، كما لن يكون أولهم مُحرر حمص ومُلهم الجنود علي خزام وغيرهما مئات البواسل..
جيش يتغنى به الشاعر الغنائي إيميل حمود:
" عمّ ترسم بدمّك
وطن
حدودو بعيدة
واسعة
ومسيّج بروحَك
ما في حدا
متلَك
ولا في حدا
قدَّك
يا جيش سورية
الأبي
ما كاسرَك همّك
كاسر قلاع
الخوف
والمجدّ بيشمّك
ريحة
فداء ومرجلة
وأنت اللي
وحدَك بو علي
صعب
الرّدى يهدّك
جيش الكرامة
والإبا
هامَك رمح
لقّ السّما
والعزّ وحدو
اللي أنتمى
ماسك
الَك يدّك"
ولحرب الشمال اليوم؛ حضورها الآخر في وجه عدو محتل لأجزاء ومساحات واسعة من الجغرافيا السورية، لأنّ هذه الحرب تُذكر بعدو مُجاور وبتاريخٍ له حافل بكلّ أنواع الأجرام، عدو لم يُذكر له في طول مدة اغتصابه خلال أربعة قرون غير اختراعه لأشنع آلة قتلٍ في الكون وهي “الخازوق”.. كيانٌ مُغتصب تكوّن وتشكّل في ظروفٍ غادرة من عمر التاريخ، وأقام “دولته” على أراضي الغير – سورية، اليونان، قبرص، أرمينيا، وإيران- والذي قلده بالاغتصاب كيانٌ جاء فيما بعد.. كيان يُماثله في الإجرام واغتصاب أراضي الغير، ولا يقلّ عنه عدوانية من الجنوب هو الكيان الصهيوني الإسرائيلي.. هذا العدو الذي تُجمع مُختلف الأمثال الشعبية في العالم على وحشيته والتي تؤكد جميعها على أن: "احذر الترك، فإنهم إن أحبوك؛ أكلوك، وإن أبغضوك قتلوك".
من هنا كان وقع الحرب مهوّلاً على السوريين بين كيانين قاتلين في الشمال وفي الجنوب، ولم يتجاهلها إلا كل ميّت يدعي أنه حي..
وكأن المتنبي حاضر يُعيد صياغتها من جديد، حينما كانت حلب واقعة بذات المصير في زمن الحمدانيين البواسل:
لَيسَ إِلّاكَ يا عَلِيُّ هُمامٌ
سَيفُهُ دونَ عِرضِهِ مَسلولُ
كَيفَ لا يَأمَنُ العِراقُ وَمِصرٌ
وَسَراياكَ دونَها وَالخُيولُ
أَنتَ طولَ الحَياةِ لِلرومِ غازٍ
فَمَتى الوَعدُ أَن يَكونَ القُفولُ
وَسِوى الرومِ خَلفَ ظَهرِكَ رومٌ
فَعَلى أَيِّ جانِبَيكَ تَميلُ
واليوم فقد تنوع وقع هذه الحرب وصدها عند المُبدعين السوريين، بين من سرد تاريخ إجرام هذا الكيان العثماني، وبين من حلل شخصية مُجرمه "الإخونجي أردوغان" آخر السفاحين الأتراك، وبين من سجّل خيبته من صمت الآخرين من سوريين وعرب، وبين من انتشى بأخبار استبسال الجيش السوري الذي عقد العزم على التحرير ومهما كانت الأثمان مرتفعة، وبين من دعا لأن يخرج المثقف عن صمته المبتذل..
نشأة مشبوهة
تقول الشاعرة عبير سيلمان وهي تصوّر نفاق حاكم تركيا اليوم: "قبل الحرب بسنوات، وعندما كان الكثيرون مأخوذين بشخصية أردوغان المحتال الذي ادعى حبّه لفلسطين وسورية تمهيداً لأن يكشّر عن أنيابه الانتهازية، يومها قال قريبنا من لواء اسكندرون هذا: أردوغان لا يؤمن له جانب، وعلى السوريين أن ينتبهوا منه فهو حتما يُحضّر للعبة قذرة.. شخصية أردوغان لم تعد خفيّة، إنه يحاول إحياء الخلافة العثمانية التي قامت فيما مضى على الدماء؛ وعلى استباحة دماء الأب والأخ والأولاد حباً بالسلطة.. مع ذلك، ثمة من لا مشكلة لديه بتحقيق الحلم الأبله لأردوغان، وأعني أولئك الذين يدّعون أنهم ضد الديكتاتورية وفي الوقت نفسه يعشقون إذلال أردوغان واحتقاره لهم، لا مشكلة لديهم إذا احتلّ أو دمّر نصف مدنهم، هذه بنظرهم ليست ديكتاتورية، بل "تحرير" و "حلال" كرمى تحقيق “فتح إسلامي” معاصر يعيدهم إلى زمن الخلافة..
المصدر: صحيفة تشرين