لم تتوقف النكسات عن طرق البوابات العربية يوماً، ومن دون استحياء، وما كان في الكواليس بات على رؤوس الأشهاد تتداوله الأعراب بلا أي حرج، وما كان مخبأً في الدفاتر العتيقة أو مخفياً بين سطورها أصبح متاحاً للجميع، حيث
صفقة القرن في طبختها الجاهزة تتدحرج،
وما يتم الحديث عنه حول رسائل وصلت إلى البيت الأبيض تتضمن تحذيرات ليست أكثر من محاولة لتبرئة الذمة في العلن، بينما الغرف المغلقة شهدت غير ذلك، بل واستعجلت الأميركي وحثته على المضي قدماً.
على مدى العقود الماضية كانت النكسات والنكبات تتوالى، فيما الأعراب ومن لفّ لفّهم يخلون مسؤوليتهم من عبء الإحساس بالخشية أو الحرج من ردود الفعل التي كانوا يتخفون خلفها بها، ومن عبء الهزيمة المدوية أمام الشعوب العربية التي بدت أكثر مطواعية في السير بركب حكامها مما كان يعتقد الكثيرون، وتلامس في جزء كبير الحقيقة المرة التي كانت تشكل الحامل الموضوعي لكثير من السياقات ال
سياسية الخارجة من رحم التكهنات والحسابات، وليس بينها من يعتقد أن لديه الوقت ليكون مهتماً بالقضية وجذرها وأصلها، فالجميع في زحمة ما تشهده المنطقة يبحث عن قميص النجاة الضائع، بعد أن أوغلت الخيانة بلبوسها الجديد في الطعن بالجسد العربي وبالسكاكين العربية المشرعة تحت عناوين كانت الأمة والقضية أبرز الغائبين عن مفرداتها.
الزلزال الذي أحدثته أوجاع وآلام عقود طويلة في الوجدان الجمعي، تحاول أن تعيد تشكيل الطعن السياسي في الوعي الجمعي للأمة من بوابة الغمز من تبعيات المشهد، وما فتحته من جروح طولانية وعرضانية في جسد الأمة، وجاء الزمن الذي باتت فيه بعض الدول تبحث عن خلاص فردي أكثر مرارة وربما أكثر استحالة وسط تكالب المال الخليجي الذي أماط اللثام عمّا راكمته السنوات والأحداث من حقد على الأمة وقضيتها، ومن ضغينة تجاه ما تبقى من ضوء في آخر النفق مستعيناً بالسكين الإسرائيلية تارة وبالساطور الأميركي المشهر والجاهز تارة أخرى، والوهابية ومشتقاتها الإرهابية المسكونة في نماذج جاهزة للتصدير والتسويق تارة ثالثة، وما يتحرج منه الإسرائيلي أتت المشيخات تبادر إليه وتطالب به من دون حياء .
المفارقة الصادمة أن كل ما تم تحضيره لمسرح جريمة العصر من إرهاب ومشغلين وأدوات وبدائل ومرتزقة يستعيد فصول النكسة وما سبقها من نكبات في تاريخ الأمة، ويدفع بها إلى العلن وسط عواصف من الحروب البينية، حتى تحولت الأرض العربية إلى مسارح متنقلة للحروب تحت الإمرة الأميركية والإسرائيلية، وما تبقى من الأمة مضطر للانشغال في همّه الذاتي، منطلقاً من بدهية العمل للوصول إلى شط الأمان الذي بدا أبعد من أي وقت مضى وأكثر صعوبة من أي توقيت سابق، رغم ما تشير إليه المتغيرات من نكسات في المشاريع الأميركية والإسرائيلية، وخصوصاً التصدع الأخير في المشروع الإرهابي وحامله الأساسي المال الخليجي.
عند هذه المقاربة تتباين المشاهدات الحادة في مواجهة مفتوحة وعلى امتداد الجبهات الساخنة والباردة بأشكالها وتراتبيتها، حيث الانكسار في المشروع الإرهابي يُنبت في امتداداته الموازية انكسارات أكثر وضوحاً، خصوصاً في الصفقات المشبوهة ومخططات الغرف السرية، بعد أن بدا الانحسار في الموجة الإضافية والاحتياطية من مشروع تفتيت الأمة جلياً، حيث برزت الأسئلة الملحة بأن فشل الإرهاب في سورية يقود إلى استنتاجات مغايرة لعصر النكسة والنكبة ومحاولة فرض هزيمة من الداخل.. كما يتعارض مع الأدبيات والمسلمات، في وقت تتراكم الخطوات على إنجازات محور المقاومة التي وجهت صفعة، وقدمت مقاربتها الجديدة التي تزداد وضوحاً في امتلاك المساحات التي تؤهلها لتكون مؤثرة إقليمياً ودولياً، تحضيراً لامتدادات مقابلة تضفي من خلالها إضاءات جديدة مغايرة لما دأبت عليه البروباغندا الأميركية والإسرائيلية.
محاولة تدجين الوضع العربي تعلن إفلاسها، وما عجزت عنه النكسة والنكبة وعشرات المؤامرات والخطط، لن تناله صفقة القرن، وما فشلت في هدمه النكبة ويسعى الأميركيون والإسرائيليون والأعراب عبر جريمة العصر إلى النبش فيه لن يعوض لهم ما خسروه، والأكثر من ذلك هذا المسار الملتوي، والانعطافات الأميركية الحادة ليست سوى محاولة يائسة ومحمومة لتحقيق ما فشل به مشروع الإرهاب، خصوصاً بعد أن بات ومعه مشغلوه يعدّون أيامهم الأخيرة، ويحصون ما تبقى من فصول إضافية، لتبقى
صفقة القرن مجرد رقم إضافي يراكم من محاولات السياسة أن تحطم ما نسيت النكسة والنكبة وكل آلام الأمة في ماضيها وحاضرها أن تضيفه إلى روزنامتها، فالجولة القادمة لها معاييرها، و
صفقة القرن لها ما يقابلها بالمعيار ذاته وإن اختلف العنوان لتكون صفعة العصر المدوية رداً على مخططات وصفقات وابتزازات ومساومات تخطها إحداثيات الجنوب السوري.
علي قاسم / جريدة الثورة