كانت وقتها تقطن مع زوجها في بيت للآجار ببلدة المليحة بريف دمشق، قطع طرقات هتافات لم تسمعها من قبل وتجمعات ميزت تلك الفترة، عندما علمت انها حامل بابنتها الأولى كانت الأزمة قد أنهت عامها الأول.
أفكار كثيرة راودتها كان أهمها هل ستنقضي التسعة أشهر القادمة على خير، وتبصر طفلتها النور، في ظل التوترات الحاصلة في البلاد.
تصاعدت وتيرة الأحداث، ومرت تلك الأشهر ببطء، إلى أن "نورت زهراء حياتنا" كما تقول والدتها، تسارعت الأيام بعد الولادة وبدأت الرضيعة تكبر، كانت ذكية للغاية كما تقول مها، نطقت وبشكل جيد قبل بلوغها السنة، وعندما أصبحت في النصف الأول من عامها الثاني كانت تتحدث بطلاقة، في هذه الأثناء كانت الأحداث قد أخذت الشكل المسلح في البلاد، مما اضطر العائلة لترك "المليحة"، والانتقال إلى قلب العاصمة.
أوقات عصيبة مرت بها الأسرة، فالعمل لم يكن متوفر، وقضى الأب أيام طويلة دون أن يجد مصدراً للقمة عيشه، كانت الابتسامة الوحيدة لهم هي "زهراء" يفرحون بها كيف تكبر وتزداد جمالاً وذكاء.
بلغت الطفلة الخامسة من العمر، وكان الوالد يتنقل من عمل لأخر كي يستطيع تأمين حاجيات اسرته، والسمة الأكبر لتلك المرحلة هي القذائف التي تمطر العاصمة.
لم يمنع الخوف الوالدان من ادخال ابنتهما إلى المدرسة، وعلى عكس زملائها، كانت فرحتها كبيرة في اليوم الأول، تخطت سنتها الدراسية الأولى بكل تفوق، لم تؤثر الظروف المادية ولا التنقلات الكثيرة للأسرة على بدء مشوارها الدراسي بكل توازن.
هي اليوم في الصف الثالث الابتدائي، تتابع دراستها بكل تفوق ومازال طموحها "هندسة الديكور"، زهراء من بين 3.6 مليون طالب وطالبة موزعين على 12700 مدرسة، يتابعون دراستهم رغم الظروف الاقتصادية الصعبة في البلاد وأمل ذوييهم أن يخط هؤلاء الطلاب مستقبل أجمل لهم ولبلادهم.