كما “علمت” هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية الأسبق ذات يوم من أيام هذه الحرب أن قانون الأحزاب السوري الجديد، والذي لم يكن قد صدر بعد، هو قانون سيئ، فإن جون بولتون مستشار الأمن القومي الأمريكي “علم”، وقبل أن تبدأ معركة إدلب، أن دمشق ستستخدم “الكيماوي” في هذه المعركة، وقبل ذلك كانت باريس قد “علمت” أيضاً أن الظروف غير مناسبة لعودة المهجّرين السوريين إلى مدنهم وقراهم، دون أن تحدّد إذا كانت الظروف غير مناسبة لسورية والسوريين أم لأصحاب مشروع إدامة الفوضى في المنطقة ومنع الحل السلمي للأزمة السورية.
وبعيداً عن “علم” هيلاري الذي مضى زمنه، فإن “علم” بولتون وباريس الجديدين يؤكّد، وخاصة في هذه المرحلة النهائية من الحرب في سورية وعليها، بأن أمر العمليات الأمريكي الحاسم والقاضي بمنع انتصار “محور مكافحة الإرهاب” وخروج سورية من محنتها مازال سارياً، خاصة إذا ربطنا “علمهما” مع تحرّكات أمريكية متلاحقة لوأد جنين الحوار السوري السوري، ومع تسارع عمليات التحضير لأدوات العدوان الثلاثي بحجة
الكيماوي المزعوم، سواء تلك اللوجستية -من القواعد “العربية” طبعاً- من حاملات طائرات عملاقة وصواريخ “ذكية” وما إلى ذلك، أو الإرهابية المساندة، ومنها الظهور اللافت والمتزامن لثلاثي الإرهاب في المنطقة والعالم، زعيم “القاعدة” وزعيم “داعش” وزعيم “النصرة”، ليدعوا معاً إلى “تلاحم المجاهدين واتّحادهم” ضد تحرك الجيش السوري والحلفاء اتجاه إدلب.
وبالطبع يمكن للمراقبين وضع هذا “العلم” وما تلاه من تصعيد في سياق تقديم طوق نجاة ل
ترامب من مشنقة الداخل الأمريكي، ف
ترامب الذي هدّد علناً بأن عزله “سيدمّر الاقتصاد الأمريكي، وسيصبح الجميع فقراء جداً” والذي يجد نفسه محاطاً بأعداء كثر في الداخل والخارج ساهم بسياسته “التويترية” في صنعهم، يجد أن طوق نجاته الأقرب الهروب من العدو الداخلي باتجاه العدو الخارجي وتوريط واشنطن في حرب على الساحة السورية لإنقاذ ذاته من سيف المساءلة، وربما العزل، الذي اقترب من رقبته أكثر من أي وقت مضى.
لكن الأمر، في جوهره، أبعد من
ترامب ومشاكله الشخصية على أهميتها، فالسبب الرئيس يتعلّق بفكرة الامبراطورية الأمريكية ذاتها ومحاولتها الحفاظ على دورها وموقعها المفترض على قمة العالم، فهي، بحسب الراحل سمير أمين، “دخلت في أزمة الهيمنة، ولا تستطيع أن تستمر فيها إلا بمزيد من التدخل العسكري”، لذلك، ولمفصلية “إدلب” في معركة سورية وفي الحرب الدائرة من خلالها على المواقع العالمية للقوى العظمى يأتي هذا التصعيد الأمريكي لمنع انتصار “أعدائها” من جهة، وبالتالي فرملة مسار صعودهم نحو مقاعدهم الجديدة على قمة العالم، وللمحافظة، من جهة أخرى، على سلامة أدواتها من قوى “الجهاد العالمي”، ومنها تلك المتحصّنة في إدلب، والتي تعتبرها واشنطن أداة رئيسية من أدوات سيطرتها على العالم كله.
بهذا المعنى يمكن القول: إن قصة “الكيماوي” تمثّل مخرجاً ل
ترامب وأمريكا معاً، لكنه مخرج غير كافٍ في ظل الحقائق العالمية السياسية والاقتصادية المستجدّة، وآخرها التحرّك الفرنسي الألماني البريطاني المشترك للالتفاف على العقوبات الأمريكية ضد إيران، وجرأة باريس المستجدّة في الدعوة لوقف الاعتماد على أمريكا وإشراك روسيا في ضمان أمن أوروبا، وهي دعوة ذات مدلولات استراتيجية كبيرة جداً، وبدل أن يقول جون بولتون: “إن روسيا تبدو عالقة في سورية”، كان عليه القول: إن واشنطن تبدو عالقة مع
ترامب ومن دونه، فمهما حدث لن يكون “الكيماوي” طوق نجاة محتملاً لا له ولا لها، لأن المستقبل يكتب اليوم، دون أن يعني ذلك التخفيف من خطورة ما هو قادم… فالحذر واجب، والاستعداد والمشاركة في صد العدوان المفترض فرض عين على الجميع .. والمرحلة مفصلية بامتياز.
بقلم: أحمد حسن / صحيفة البعث