لا خلاف بأن المعابر الحدودية لأي دولة هي المتنفس الأول والرئة التي تتنفس منها اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً، باعتبارها بوابات الوصول إلى العالم الخارجي، ومفتاح اكتساب الشرعية والقانونية الدولية، فقبل أن تحكمها القوانين الداخلية والوطنية لهذه الدولة أو تلك هي محكومة أيضا بالقوانين الدولية.
بدءاً بالاعتراف بشرعية الدولة والحكومة المنظمة لها، ورسم حدود الدولة وانتهاء بقوانين التجارة العالمية.
وفي حالة سورية التي تتميز بطول حدودها البرية مع دول الجوار(العراق ولبنان والأردن وتركيا) تملك الحكومة السورية العديد من المعابر الاستراتيجية مع كل دولة من الدول التي تجاورها، الأمر الذي أعطى الجغرافية السورية مكانة هامة على الصعيدين العربي والدولي، حيث شكلت عقدة مواصلات اقتصادية بين شرق أوروبا عبر تركيا وصولا إلى الخليج العربي عبر العراق والأردن، في حين شكلت المعابر السورية بالنسبة للبنان بوابته الوحيدة للاتصال بالدول العربية، ما جعل لها أهمية قانونية واستراتيجية وسياسية واقتصادية في نفس الوقت.
ولأن
المعابر الحدودية تتمتع بكل هذه الأهمية الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، فقد تم استهدافها من قبل الجماعات المسلحة الارهابية منذ بداية الحرب عام 2011، بمساعدة وتواطؤ من قبل حكومات وسلطات بعض دول الجوار وخاصة تركيا والأردن وإيعاز من محور العدوان وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية، من أجل فرض حصار اقتصادي خانق على الدولة والشعب في سورية في محاولة لفرض شروط وإملاءات سياسية، لتخرج العديد من
المعابر الحدودية عن السيطرة، الأمر الذي فرض على الدولة السورية أن تخوض حرباً ضروساً مع هذه الجماعات الارهابية من أجل إعادة السيطرة على معابرها البرية، وكان لها ما أرادت بخصوص المعابر مع العراق التي كانت تحت سيطرة تنظيم داعش ومع الأردن حيث جبهة النصرة الارهابية والعصابات المتحالفة معها، في حين عجزت الجماعات الارهابية عن تحييد المعابر مع لبنان ليبقى التواصل مستمراً بين الدولتين الشقيقتين رغم كل المحاولات اليائسة لقطع هذا التواصل.
يعتبر إغلاق المعابر أو فتحها دليلا على عمق التعاون والانسجام بين الدول المتجاورة كما هو الحال مع العراق، ومؤشراً أيضاً لفقدان هذا الانسجام وتمكن القطيعة بينهما كما هو الحال مع النظام التركي الذي أقحم نفسه في الأزمة التي عصفت بسورية وكان شريكا في العدوان عليها وداعما أساسيا للجماعات الارهابية التي استهدفت المعابر الحدودية، فالمعابر لا يمكن فتحها بين بلدين إلا بمناخ سياسي يحكمه الانسجام والتفاهم والمصالح المشتركة والعلاقات الودية، كما جرى مؤخراً في معبر نصيب مع الأردن.
لقد أدت الحرب الى تورط عدد من دول الجوار فيها عبر تمرير الارهابيين للقتال في سورية إلى خروج عدد كبير من
المعابر الحدودية عن سيطرة الدولة، الأمر الذي عرض السوريين لحصار اقتصادي خانق، وكان ذلك دلالة على توتر العلاقات السياسية مع بعض دول الجوار كتركيا والأردن على خلفية دعمها للإرهاب من جهة، ودلالة على الانفلات الأمني في بعضها الآخر كما في العراق الذي وقعت مناطقه الحدودية مع سورية تحت سيطرة تنظيم داعش من جهة أخرى، مما أدى إلى فوضى عارمة.
وقد شهدت السنوات الأولى للحرب محاولات مستمرة للسيطرة على المعابر من قبل الإرهابيين، وكلما سيطر فصيل إرهابي على معبر من المعابر فرض قوانينه وضرائبه وتحكم بإغلاقها وفتحها حسب سياسته وحسب مزاجيته والجهة التي يتبع لها، ما حدا بالدول المجاورة إلى إغلاق معابرها ونتج عن ذلك نكسة اقتصادية وسياسية واجتماعية، إذ لم يعد هناك ما يضبط عملية الاستيراد والتصدير وحاجة السوق، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار وقلة الوارد من النقد الأجنبي بسبب فقدان خزينة الدولة ريعية هذه المعابر، وازدياد معدلات التضخم وتداول العملات الأجنبية دون ضوابط، واضطراب سياسة فتح المعابر وإغلاقها حسب سياسة الفصيل الذي يسيطر عليها وتوافق سياسته مع الدولة الجارة أو اختلافها.
هذا الواقع المستجد كان له أثر سلبي كبير في عدم مراعاة القوانين الدولية والإنسانية، بمنح تصاريح العبور سواء للاجئين والنازحين أو لمن تربطهم علاقات اجتماعية وعمل مع الدول المجاورة، أو حتى الطلاب الذين يدرسون في جامعات الدول المجاورة، أو ممن يدرس من الدول المجاورة في الجامعات السورية، ما انعكس سلبا على الدولة والمجتمع، لذلك أصبحت قضية المعابر من أهم القضايا السياسية والاقتصادية والأمنية التي تواجهها الدولة السورية والتي تأثرت بها الدول المجاورة أيضا، وباتت هذه المعابر مناخاً ملائماً للخروج على القانون والتهريب بكل أنواعه، سواء المنتجات الاقتصادية أو تهريب البشر والسلاح والمخدرات والنفط المسروق وغيره، ولا سيما بسبب اعتماد المنظمات الإرهابية كـ»داعش» وغيره من التنظيمات الارهابية على هذا المناخ لضمان حركة عناصره وانتقالهم من وإلى سورية وتأمين خطوط الإمداد من السلاح والمال، وبيع النفط المسروق في السوق السوداء، ما أدى إلى خروج أغلبية
المعابر الحدودية من حسابات الحكومة السورية باستثناء المعابر مع لبنان.
وما يمكن قوله باختصار إن
المعابر الحدودية لسورية تؤمن عوائد مالية ضخمة بحكم الموقع الجغرافي المتميز لسورية وحاجة دول الجوار لنقل بضائعها ومنتجاتها عبر سورية باتجاهات مختلفة بين قارات أوروبا وأفريقيا وآسيا، وهي ترفد الخزينة بالقطع الأجنبي من خلال الجمركة وحركة الترانزيت التي تعبر الأراضي السورية، كما تؤمن هذه المعابر وصول المنتجات والبضائع السورية إلى العديد من بلدان العالم وخاصة تركيا ومنها إلى أوروبا والعراق وإيران وصولا إلى روسيا وجيرانها، بالإضافة إلى دول الخليج عبر الأردن، وسيطرة السلطات السورية على هذه المعابر يسمح لها بالتحكم بحركة الأشخاص والبضائع ويساعدها في منع التهريب بكافة أشكاله، وهذا ما يجعل للمعابر أهمية استراتيجية تتصل بالأمن القومي والسيادة الوطنية.