ترامب: أحكم بغريزتي!!‌‌‏.. كتب فؤاد شربجي

الخميس 14 نوفمبر 2024 - 11:03 بتوقيت غرينتش
ترامب: أحكم بغريزتي!!‌‌‏.. كتب فؤاد شربجي

في مقابلة قديمة مع دونالد ترامب أوردها الصحفي بوب ودوورد في كتابه الحديث "الحرب"، في ‏هذه ‏المقابلة سأل الصحفي رجل الأعمال الناجح "كيف تتخذ قراراتك؟" فأجابه ترامب بكل ‏تلقائية ‌‏"أعتمد على غريزتي، أمتلك غريزة تدلني على القرارات المفيدة والجيدة لمصلحتي»، ‏وعندما ‏لاحظ ترامب استغراب الصحفي راح يشرح له "أحسّ أن غريزتي تراقب الحياة، ‏تسمع الكبير ‏والصغير، وتنتبه خاصة لأولئك المنهمكين في الحياة، ثم تفرز وتدرس كل ذلك، ‏وتقودني إلى ‏القرار الجيد، دائما أتبع غريزتي وأفوز وأربح".

حاول الصحفي الفهم أكثر ‏وسأله: "طيب من تسأل ‏إذا كنت بصدد قرار مهم؟"، فأجابه: "أسأل الناس، أسأل كل من ‏أصادفه"، ويروي ترامب مثالاً ‏ليؤكد استراتيجيته قائلاً: "مثلاً عندما كنت بصدد شراء منزل في ‏فلوريدا، وأثناء بحثي عن هذا المنزل ‏المناسب، سألت سائق تكسي، ما أجمل وأحسن بيت ‏في فلوريدا؟ ببساطة أجابني السائق ‏مارالاغو أجمل بيت بالكون وليس في فلوريدا فقط، ‏فقلت له: خذني إليه، وبالفعل أخذني إليه، ‏سحرت بالبيت واشتريته، رأي سائق التاكسي كان ‏صحيحاً حول البيت، وكان متوافقاً مع ‏غريزتي، وكانت صفقة مهمة ورائعة".‌‌‏

‌‏ ‏ترامب الذي شغل فوزه بالانتخابات العالم، وبدأت الدول والقيادات تفكر بمدى وباتجاه تأثير ‌‏قراراته على العالم، ترامب هذا يتبع غريزته، وربما يلحق رأي سائق تكسي أو ساقٍ في ‏بار، ‌"أما قيادة عظيمة فعلاً!!" ونهجه هذا مثبت عليه في فترة حكمه الأولى، حيث الكل ‏اشتكى من أنه لا ‏يستمع إلى مستشاريه الخبراء، ولا يقرأ التقارير الرسمية، يقيل وزراءه برسالة عبر ‏"واتس آب"، هذا ‏في ولايته الأولى، فكيف بعودته الانتقامية الظافرة؟! من الواضح أن شعار ‌‏"لنجعل أميركا عظيمة ‏مرة أخرى" معناه الحقيقي لدى ترامب هو"سأحكم أميركا بغريزتي"، ‏وسأجبر العالم على اتباعها ‏والخضوع لها.. إنها الترامبية الجديدة!‌‌‏ ‏

‌‏ ‏لكن لا يجوز الاستهانة بهذا الرئيس الأميركي "المؤمن بأن الله نجاه من الاغتيال" ليحكم ‏أميركا ‏بغريزته المباركة والظافرة، ويجب على الجميع التعامل بجدية فائقة معه لأنه خطير، ‏ولا يتوانى ‏عن اتخاذ قرارات متهورة، والتعاون الجدّي معه يستلزم فهم توجهاته ومعتقداته ‏السياسية.‏

وبالنسبة ‏لنا كعرب وبالنسبة لقضيتنا الأساسية فلسطين، فإن ترامب ليس منحازاً لـ "إسرائيل" ‏فقط، بل هو ‌‏"يدعم فوز "إسرائيل" على أعدائها"، وإذا كان الآخرون في الغرب يدعمون ما ‏يسمونه "حقها بالدفاع ‏عن النفس"، فهو يدعم فوزها علينا، يريدها الفائزة دائماً، وربما يطلق ‏يدها في الاستيطان، ‏ويمكّنها من بسط سيادتها على الضفة، ولا نعرف بعد مدى تمسكه بحل ‏الدولتين، ولا بشكل ‏الدولة الفلسطينية الممكن أن يقبل به، وربما لذلك استبق العرب دخوله ‏البيت الأبيض بعقد قمتهم، ‏التي أصدرت بيانها ‏بمطالب كلها تدور حول حق الشعب الفلسطيني ‏بدولة كاملة السيادة على ‏أراضي عام سبعة وستين، فهل يحترم ترامب قرارات قمة الدول العربية ‏والإسلامية؟، وهل يفهم ‏أن لا أمن ولا استقرار لـ "إسرائيل" إلا بإعطاء الشعب الفلسطيني ‏حقه، وتمكينه من إقامة دولته؟ هل ‏تفهم "غريزته" أن هذا هو المفيد والناجح له إن أراد أن ‏يسجل في تاريخه إنجازاً في سلام ‏المنطقة، أم إن "غريزته" غير مهتمة بالتاريخ؟!‌‌‏

‌‏ ‏المصيبة أن ترامب يريد من أميركا، ومن ورائها العالم، أن ترقص مثله، رقصة النصر التي ‌‏رقصها، والتي أصبحت "النشيد الوطني الأميركي" لأنصاره بسبب فوزه، والكارثة أن عالم ‌‏ترامب يظن أنه وحده لديه غريزة يتبعها، متناسياً أن الشعوب، وخاصة الشعب العربي، تمتلك ‌‏ضميراً تحركه حضارات ورسالات، فالشعب العربي يمتلك ضميراً وليس غريزة، والفرق ‏كبير ‏وكبير جداً.‏

المصدر: صحيفة تشرين

 

جميع الحقوق محفوظة لقناة العالم سورية 2019