التنافس والصراع بين محوري قطر تركيا من جهة و السعودية الإمارات المتمدد على مساحة بلدان العالم العربي، كما يظهر جليا في السودان وليبيا وبدرجة أقل وضوحا في مصر و من وراء ستار في الجزائر والعراق والمغرب و فلسطين ولبنان وغيرها . هاقد وصل إلى سوريا وعلى طريقة الزفة و الطبل يعمل محور السعودية والإمارات و يدخل الأزمات بصوت مرتفع، تماما كما بدأت الأزمة الخليجية في صيف العام 2017 حين استيقظ الجمهور العربي على الزفة الإعلامية ضد الدوحة، وبذات الطريقة بدأت قبل ذلك عاصفة الحزم في اليمن .
هكذا وباعلان مباغت دخل محور الأمارات السعودية إلى مرحلة فتح العلاقة مع سوريا وافتتاح السفارة الإماراتية بدمشق بحضور صحفي واعلامي، وأعلنت الإمارات مؤخرا عن برنامج مساعدات للسوريين في بداية شهر رمضان بالتعاون مع الحكومة السورية، وكذلك فعلت البحرين والتقى وزير خارجيتها أمام عدسات الكاميرات مع وزير الخارجية السورية وليد المعلم، وكادت السعودية تلحق بهما علنا لولا أن الرئيس ترامب فرملها وطلب التمهل قليلا،
وعلى الخط المقابل تعمل الدوحة بهدوء وصمت وبشكل أعمق على ملف العلاقات السورية القطرية، وتستعين بصديق حليف وثيق لدمشق لعمل خطوات بطيئة لكنها ثابتة بعيدا عن الاعلام. ولا إثر حتى الآن يدل على هذا المسار سوى خبر عابر يفيد أن سوريا سمحت للطيران القطري بالمرور بالأجواء السورية، بناء على طلب الدوحة، ولكن في عمق المشهد يمكن ملاحظة تراجع الخطاب الإعلامي الحاد لماكينة قطر الإعلامية تجاه دمشق، وهو تراجع يبدو مدروسا وتدريجيا وبطيئا، لكن يمكن تلمسه لأي متابع جيد للخطاب منذ بداية الحرب في سوريا إلى اليوم.
الأهم هو أن الدوحة باتت جادة في تطبيع العلاقة مع دمشق، بعد أن كانت مترددة، وهي تدرس الطريق الانسب الطريق الطويل لكنه الموصل الى الهدف.
وعلى منوالها تسير تركيا في النظر بجدية إلى فتح العلاقة مجددا مع دمشق لقطع الطريق على وصول التأثير السعودي والإماراتي إلى سوريا وبالتالي تفادي اقتراب أبوظبي والرياض من حدودها.
وتقوم إيران بتقديرنا على تشجيع هذا المسار، لتوحيد القوى واندماجها في جبهة واحدة في مقابل مشروع سعودي امارتي يتقدم بسرعة وضجيج عابرا الحدود بين اليمن والسودان وليبيا مسنودا بالقاهرة وإدارة ترامب في البيت الأبيض. وربما ترى إيران اليوم أنه من الضروري تصفير خلافات المرحلة السابقة بين محور المقاومة ومن ضمنه سوريا وبين الثنائي القطري التركي، لاستقبال مرحلة أكثر خطورة في المنطقة تتطلب نبذ التباين وتوحيد الجهود والتحالفات. ولكن كل الأطراف تدرك أن هذا الأمر يحتاج إلى وقت وجهد وترتيبات، فحجم العداء خلال السنوات الماضية بلغ مديات غير مسبوقة وحطم جسورا يصعب إعادة وصلها.
إلا أن طهران اليوم في مقاربتها لكل نقاط التوتر في المنطقة تبنت نسبيا وجهة النظر التركية والقطرية وهي بذلك تدفع باتجاه هذا التجسير من جديد.
بالنسبة لدمشق فإن حجم الاذى الذي لحق بها من قطر وتركيا أكبر باشواط بالمقارنة مع تعامل السعودية والإمارات تجاه الأزمة، ناهيك عن شعور القيادة السورية بمرارة الغدر من الحلفاء ومن اختارت التموضع إلى صفهم قبل الحرب، في حين لم تكن العلاقة مع الرياض وأبو ظبي تتسم بأي ميزات بل بعكس ذلك فإن الأجواء بين دمشق والرياض قبل الحرب لم تكن ودية لأسباب كثيرة تبدأ من التحالف مع إيران ولا تنتهي بالملف اللبناني.
بتقديرنا دمشق لن تختار الانضمام إلى محور سوى محور المقاومة مع الحلفاء الذين وقفوا معها في محنتها وتحملوا معها الأذى والتشويه والتشهير. وبدلا من أن تقف مع أحد الخصوم على حساب الآخر، فإنها سوف تنتقي من كلا الطرفين ما يخدم مصلحة الاستقرار في سوريا، وأعتقد أن دمشق سوف ترحب بكل مبادرة من أي طرف تصب في عودة الاستقرار إلى سوريا .نتوقع أن دمشق اليوم اولويتها ليست في لعب دور إقليمي أو مساندة أحد الأطراف المتصارعة في التنافس العابر للحدود والأوطان، إنما التركيز على إعادة عجلة الاقتصاد والأعمار إلى البلاد، واستعادة الأجزاء المتبقية تحت سيطرة الجماعات والمليشيات، ومواجهة الأطماع الإسرائيلية و المشاريع الأمريكية التي تحاول العبث بجغرافيتها.