تتسع لائحة الملفات المدرجة على جدول زيارة
بولتون ل
روسيا بعد شهور من شبه القطيعة السياسية، كما تتعدد القضايا الشائكة التي يغلب عليها الطابع الخلافي الحاد، والذي وصل في كثير منها إلى الحائط المسدود، فيما تبدو نقاط الانفراج المحتملة شبه غائبة، وسط تكهنات سياسية وتحليلات تنحو باتجاه الحديث عن حدود التفاؤل الحذر الذي يغلف طابع الزيارة بمزيد من نقاط الإثارة السياسية، بحكم ما تراكم من نقاط تصعيد وتسخين كانت في صلب تجاذبات العلاقة الروسية الأميركية.
فالآمال والتمنيات التي سبقت الزيارة تنطلق من مبدأ أن حدوث الزيارة -بحد ذاته- يشكل كسراً ممنهجاً للجليد المتراكم من دون أن يقدم وعوداً حقيقية بالتغلب عليه أو إذابته التي تبدو سابقة لأوانها، نظراً لأن الجانبين لا ينتظران هذا التأثير أو الدور أو المهمة، وليسا بوارد تحميل الزيارة أبعد من حدود الممكن أو المتاح، خصوصاً أن موقف
بولتون الشخصي لا يمكن تغييبه، ولا تستطيع الدبلوماسية مهما كانت بارعة تجاهل المقاربة التي يحملها لمفهوم العلاقة، ورؤيته المتشددة حيال السياسة التي يجب أن تتبعها الإدارة الأميركية مع روسيا، ودعوته للتشدد معها في القضايا الخلافية القائمة، وربما الإضافة عليها ونبش ما مضى منها أو ما هو مضمر، أو على الأقل غير مظهّر في معرض الحديث عن أسباب ودوافع تدهور العلاقة الأميركية الروسية في عهد ترامب تحديداً.
روسيا التي رأت في الزيارة بصيص أمل قد يقود إلى تذليل حالة الجمود التي تسيطر، تدرك صعوبة التفاهم مع إدارة الرئيس ترامب وطاقمه السياسي والأمني، الذي تتشارك فيه الرؤية مع الغالبية العظمى من دول العالم، وتعي أن الثقة والمصداقية هما الغائبان الأساسيان، وربما الجوهريان اللذان يدفعان إلى التعاطي الحذر في التفاعل مع ما يحمله
بولتون في جعبته، ولا سيما أن الاستنتاجات المسبقة كانت تقود إلى أن الجعبة متخمة بالنقاط الخلافية، وربما لديها ما يفيض عن الحاجة، ناهيك عن جملة الخطوات الأميركية التي بدت عدائية في توجهها وتعني مباشرة
روسيا أكثر من سواها، وكانت أحد العوامل التي أوصلت العلاقة الروسية الأميركية إلى وضع لم تصله من قبل، مرفقاً بإقرار روسي رسمي بأن هذه العلاقة ليست في أفضل حالاتها، وربما لم تكن سيئة في وقت من الأوقات كما هو حالها اليوم .
الفارق بين العناوين المعلنة وتلك التي تسرّبت من محادثات
بولتون في موسكو تبدو كافية لقراءة المشاهد الأولى من مصير المقاربات القائمة، وتشكل عينة لفهم المحددات الإضافية للزيارة، وإذ تتصدرها بطبيعة الحال القمة المقترحة بين بوتين وترامب.. فإن موسكو تعاطت بكثير من الحذر المشوب بلغة تشكيك واضحة من جدوى القمة في ظل غياب جدول أعمال متفق عليه، وليس هناك من متسع في ظل هذه التعقيدات التي تحكم العلاقات الدولية للصور التذكارية ولا مساحات كافية لترف القمم، خصوصاً أن التأزم القائم يحمل في طياته الكثير من عوامل الانفجار التي تتوازعها مناطق العالم غرباً وشرقاً .. جنوباً وشمالاً ووسطاً، والأخطر القضايا الخلافية القائمة في مقاربات المواجهة مع الإرهاب الذي يشكل التحدي الأصعب، وتنازع الأدوار بين محاربته من قبل
روسيا وحلفائها، والاستثمار فيه من قبل أميركا ومنظومتها، سواء كان في الغرب أم في المنطقة.
«فائض الفرق» الذي يثقل على
بولتون لا يقف عند التعارض الحاد في المقاربتين الروسية الأميركية، ولا القضايا الخلافية القائمة، وإنما يمتد ليشمل واقعاً متبدلاً ومشهداً متحركاً لا يثبت عند حدود البحث المختلف جوهريا عن نقاط اتفاق تبدو صعبة المنال، في ظل ميل أميركي تلقائي نحو المواجهة، بل يطول أوجه الخيارات المتاحة، حيث مؤدلج فائض القوة الأميركي يحل ضيفاً فظاً على الدبلوماسية الروسية، التي لم تجد حرجاً في التعبير عن خيارات مفتوحة ليس أقلها ما تحقق من تراكمات النجاح الروسي مقابل مشهد الإخفاقات الأميركية، وربما طرح مقارنات بما جنته أميركا من الاستثمار في الإرهاب، سواء بالوكالة عبر مشغلين ورعاة وممولين أم عبر الأصالة عن نفسها، وما حققته
روسيا في محاربته، حيث الفارق هنا لا يقتصر على استعراض الاختلاف إلى حد التناقض بين مبادئ السياسة وإحداثياتها في العلاقات الدولية، وإنما في رفض صريح ومعلن لسياسة الصفقات الأميركية وما تحاول رسمه من خرائط، وما نتج عنها من ويلات وكوارث على المستوى الإقليمي والدولي.
علي قاسم / جريدة الثورة