واليوم، نشهد محاولات كثيرة لاسترداد هذه الآثار وإعادة الحياة للمناطق التي تتركز فيها، عبر اتخاذ الضوابط والعمل على دراسة واقع هذه الآثار، التي استعرض جوانبها المدير العام للآثار والمتاحف في سورية محمد نظير عوض، من الأهمية والتاريخ وصولاً إلى الحرب والزلزال، إلى الإجراءات الحكومية في كل مجال من المجالات والموقع المتميز لسورية، ما جعلها نقطة اتصال بين الشرق والغرب، وأقيمت على أرضها ألمع الحضارات البشرية وأقدمها، وهي حضارات يضرب عمق جذورها في التاريخ لما يزيد على 8000 آلاف عام قبل الميلاد.
تنتشر المواقع والمساحات الأثرية التاريخية على معظم مساحة الأراضي السورية وقد زاد عدد تلك المواقع والمباني على 4500 موقع أثري حسب تصريح عوض، كما تحتضن آثاراً لقرابة أربعين حضارة إنسانية، من "إيبلا وأوغاريت وماري"، مروراً بالآرامية والفينيقية والأكادية والكلدانية، وصولاً إلى البيزنطية والرومانية والعربية، فباتت سورية كمتحف مفتوح للعالم، إضافة لاحتضانها الديانات السماوية الثلاث وانطلاق التصوف منها إلى كافة أنحاء العالم.
إلا أن عوض لم يخف حقيقة الأمر، فواقع الآثار السورية اليوم صعب ومؤلم للغاية ولا تزال تعاني تحديات عدة، نتجت بمعظمها عن الحرب الأخيرة منذ عام 2011، إلى جانب تداعيات الزلزال الذي ضرب محافظات الشمال والغرب السوري، محدثاً أضرار مركبة ومعقدة على الآثار، لا سيما في مدينة حلب.
يضاف إلى تلك التحديات أيضاً الواقع الاقتصادي العصيب في سورية والناتج عن الحصار الاقتصادي المفروض على سورية، فالكثير من الأعمال التوثيقية والترميمية وأعمال الصيانة التي نجريها على الآثار السورية تحتاج إلى الكثير من المعدات والكثير من التكنولوجيا الحديثة، وتحتاج أيضاً إلى مواد ولدائن لا تتوافر أحياناً في السوق المحلية ويؤدي الحصار الاقتصادي إلى نقص وتعثر إحضار هذه المواد، وبالتالي يؤدي ذلك إلى بطء في عمليات الترميم إن لم نقل تعثر أيضاً وظهور عقبات عديدة في الحفاظ على تلك الآثار، كما يمكن أن نضيف هنا إنه من جملة تلك الصعوبات أن المؤسسة المسؤولة عن ذلك وهي المديرية العامة للآثار المتاحف تعاني كغيرها من مؤسسات الدولة بحيث تسرب وهاجر الكثير من الخبرات والفنيين الذين فقدناهم خلال السنوات الماضية وبالتالي هذا النقص بالخبرة والعمال المختصين يؤدي إلى ظهور تحديات كثيرة بأنواع مختلفة.
إضافة لكل ما سبق، يبين عوض خطورة خروج معظم المساحات عن سيطرة الحكومة وسلطة الأمن في الشمال وفي الجنوب خلال فترة الحرب فقال: "نشطت أعمال التنقيب السري أو الحفر الخفي في ، فحدث فيها أعمال حفر عشوائية للبحث عن الكنوز، وبالتالي أدى ذلك إلى ظهور ما يسمى السوق السوداء للاتجار بالقطع الأثرية، فأدت هذه الأعمال إلى أضرار مركبة ومعقدة، ومن تلك المواقع التي طالتها الأعمال التخريبية المدمرة: موقع إيبلا".
هذا وتعرف إيبلا أنها من المواقع المهمة في تل مرديخ، ما جعلها هدفاً لهم من خلال تهريب القطع الأثرية التي لاقت طريقها إلى الخارج بطرق غير شرعية .
أما الموقع الثاني هو مدينة "ماري" على نهر الفرات في منطقة "تل الحريري"، الذي شوهدت فيه آلاف الحفر التي دمرت السوية الأثرية، وتكرر ذلك في أفاميا وفي تدمر وفي مواقع أخرى، وتقوم المديرية حتى الآن بإجراء الكثير من عمليات المسح والكشف للوقوف على هذه الأضرار في مساحات شاسعة، وهناك مساحات ومناطق تعثر الوصول إليها لأسباب أمنية تتعلق بعدم توافر عامل الأمان والسلامة العامة لمن يصل إلى تلك المناطق حتى الآن، وفي حقيقة الأمر فإن هناك مئات الآلاف من القطع السورية الأثرية وصلت إلى تجار ومهربين وإلى السوق السوداء بطرق غير قانونية وأيضاً عن طريق بعض المنافذ الحدودية التي تسللت إليها يد المسلحين وجعلتها مفتوحة وغير مضبوطة.
المصدر: الوطن