تواصلت خلال الأسبوع الفائت التصريحات الروسية ومعها التركية الرسمية الساعية لتمهيد الأجواء السياسية والإعلامية أمام أي تقدم قد يحرز على طريق "التقارب" بين دمشق وأنقرة، إذ كشفت التصريحات الأخيرة الصادرة عن زعيم الدبلوماسية الروسية سيرغي لافروف وتحدث فيها صراحة عن الإعداد للقاء روسي- تركي- سوري- إيراني مرتقب، عن تحركات جدية في هذا الإطار قد تكون وصلت فيها الجهود الروسية إلى تحديد بعض نقاط التقارب بين الجانبين السوري والتركي.
واتضح أين وصلت الجهود من خلال ما تناقلته وسائل الإعلام من أن موسكو أنجزت بالفعل تحديد جدول أعمال اللقاء المرتقب والمتوقع أن يكون نهاية هذا الشهر، والذي يتضمن الإشارة إلى تسمية من هم الإرهابيون، وتحديد آلية للتعاون بين دمشق وأنقرة لمكافحة الإرهاب، إضافة لتحديد جدول زمني لانسحاب القوات التركية المحتلة من الأراضي السورية، وإعادة البحث في تعديل اتفاقية أضنة لعام 1988، وذلك بعد إنجاز النقاط السابقة الخاصة بمكافحة الإرهاب لضمان أمن الحدود المشتركة.
يمثل انسحاب قوات الاحتلال التركية من سورية شرطاً سورياً أساسياً، والبراغماتية السورية قد تدفع دمشق للقبول بجدول زمني للانسحاب، نظراً لأن تفكيك التنظيمات الإرهابية الموجودة في شمال سورية مهمة ليست بالسهلة وتتطلب صدقاً تركياً وجهوداً سورية وروسية وإيرانية مشتركة، لذلك يمكن وصف اللقاء بأنه تكملة لمؤتمرات أستانة، التي كان هدفها تهدئة الوضع في سورية، والتي استثنت الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا لأنهما قطعا الاتصالات مع السلطات السورية، كل ذلك يندرج تحت هدف أساسي وهو تطبيع العلاقات بين سورية وتركيا، لأنها بالنسبة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان تحمل أكثر من مصلحة، خاصة باتجاه احتواء الخطر الكردي، واستعادة حزب العدالة والتنمية الحاكم قدرته على الفوز في أي استحقق انتخابي تركي قادم.
يمكن النظر إلى هذا اللقاء على أنه لقاء ضد الغرب، بمعنى أنه بالنسبة للملف الكردي فلن يجد أردوغان دعماً له من الولايات المتحدة الأميركية ولا من الاتحاد الأوروبي، ولذلك يحاول الذهاب باتجاه التفاهم مع دمشق، لكن هذا الأمر صعب تحقيقه حتى الآن، والكرة في ملعب النظام التركي، الذي يجب عليه أن يبدي الرغبة والاستعداد للالتزام بطلبات دمشق المحقة، وليس ذلك فحسب، بل أن يشرع أيضاً في تنفيذها، وهذه غايات اللقاء الرباعي المرتقب، ويمكن قراءة دوافع النظام التركي بهذا الاتجاه، من خلال أمرين أساسيين، الأول وهو التطبيع الذي بدأته الأنظمة العربية مع دمشق، وهذا يعني أن حركة التجارة الخليجية الأوروبية قد تعود في أي لحظة عبر البوابة السورية، وفي السياق ذاته مبادرة الحزام والطريق قد تتجاوز تركيا وتمر عبر سورية، وبالتالي لن تبقى أنقرة في الموقع الخاسر لتلك الأرباح الاقتصادية، فقط خدمة لواشنطن، على حين أن الأخيرة ما زالت تساومه على الملف الكردي، والأمر الثاني، هو الوضع الداخلي التركي الذي يزداد احتقاناً وتأزماً وقد يصل إلى مرحلة الانفجار في أي لحظة.
أما فيما يخص الحديث عن بروتوكول أضنة 1998 بين دمشق وأنقرة، فهذه ليست المرة الأولى التي يتم الحديث فيها عنه، إذ سبق لروسيا أن طرحت فكرة العودة إلى البروتوكول في عام 2019، وتحدثت أنقرة عنه في مناسبات عدة، وخاصة في معرض تقديم مبررات تدخلها العسكري في شمال سورية بذريعة محاربة الإرهاب، في المقابل بقيت دمشق مصرة على توصيفها للتدخل التركي في الشأن السوري على أنه احتلال غير شرعي، وهنا يجدر التدقيق والتمحيص قبل الحكم على أي تقارب قد تسوق له تركيا بأنه ضد السوريين الأكراد، وقد تستخدم الإشارة مجدداً إلى بروتوكول أضنة للإيحاء بذلك، كما فعلت سابقاً.
في الختام فإن السياسة السورية مبدئية وثابتة، وبوصلتها دائماً في أي اتفاقات أو محاولات للتقارب والتطبيع، هو وحدة وسيادة واستقلال سورية، أي مصلحة الشعب السوري المحضة، وهو ما لم تتنازل عنه القيادة السورية طوال سنوات الحرب، وعلى أنقرة وغيرها أن يعوا ذلك.
كاتب سوري
المصدر: الوطن