الصاروخ الباليستي اليمني، الذي لم يُكشف حتى الآن سوى جزء يسير من أسراره التي حملها باتجاه تل أبيب، لم يكن صاروخاً عادياً، فبيان القوات اليمنية اللاحق لإطلاقه أكد أنه فتح باب المرحلة الخامسة من الحرب مع كيان الاحتلال، أي إنه لا يعتبر رداً مباشراً على عدوان الحديدة، بل الرد لم يأت بعد، وأعلن نجاح عمليات التطوير التي أنجزت عليه ليصبح قادراً على المناورة في الجو وتغيير اتجاهه كيف شاء وإفشال محاولات الاعتراض من منظومات العدو المعروفة بالقبة الحديدية ومنظومة حيتس ومقلاع داوود وغيرها، وأنه احتاج فقط 11 دقيقة للوصول إلى الأراضي المحتلة قادماً من اليمن، فكيف تكون الحال فيما لو أرسلت عدة رشقات صاروخية من الطراز ذاته أو طرازات أخرى أكثر تقدماً على اعتبار أن الحرب قد تطول وأن اليمن لم يكشف كل أوراقه بعد؟
بيان القوات اليمنية ذكر أنواع العوائق التي تم العمل على تلافيها في تطوير الصاروخ الفرط صوتي وحصرها بالتضاريس والقوات الأميركية والبريطانية التي تعسكر في البحر الأحمر بانتظار الدفاع عن "إسرائيل" وضرب اليمن، وأشار إلى نجاح الصاروخ بتجاوزها جميعاً، أي إن هذا الصاروخ الذي تم إطلاقه باتجاه تل أبيب وسقط في مكان قريب من المنشآت الإستراتيجية كمطار بن غوريون أو المناطق المأهولة بالمستوطنين قد يكون اختباراً ليس إلا، وليس الهدف منه التدمير أو إيقاع الخسائر البشرية والمادية في صفوف العدو، وما يؤكد ذلك بيان جيش الاحتلال القائل إن "اعتراض الصاروخ الذي أطلق من اليمن فشل، وتحطم في الجو وسقطت شظاياه قرب مطار بن غوريون"، فهذا الاختبار قد يكون من شأنه الضغط على حكومة نتنياهو لوقف الحرب في غزة وإنجاز صفقة تبادل تعيد القطاع إلى أهله بعد الانسحاب منه فيسمح للمستوطنين بالعودة إلى شمال فلسطين المحتلة وتتم محاكمة نتنياهو وأعضاء حكومته ويصار إلى إيجاد حل مرضٍ للقضية الفلسطينية، أما في حال قرر نتنياهو التحدي، وهو ما قاله بالفعل في تصريح له تعليقاً على الضربة الصاروخية اليمنية: "على الحوثيين أن يعلموا أنهم سيدفعون ثمناً باهظاً لكل محاولة للمساس بنا"، فإن هذا الاختبار الفني للصاروخ قد نجح، وربما سيكون هذا الصاروخ طليعة لعشرات أو مئات الصواريخ المشابهة التي ستجد طريقها إلى تل أبيب وغيرها من المدن والمنشآت الإستراتيجية في الداخل المحتل.
البيان اليمني كان صاروخياً وموجعاً أكثر من الصاروخ نفسه، فعلى الرغم من أن المقذوف حشر أكثر من مليوني "إسرائيلي" في الملاجئ خلال دقائق، إلا أن البيان أكد اقتراب تنفيذ عمليات نوعية أكثر قوة وتأثيراً ومفاجأة للعدو مع اقتراب الذكرى الأولى لانطلاق "طوفان الأقصى"، الأمر الذي يعتبر ضربة قوية للجبهة الداخلية "الإسرائيلية" التي عليها أن تنتظر أيضاً الرد اليمني الحقيقي والرد الإيراني على اغتيال إسماعيل هنية، وربما عليها الانتظار أيضاً دماراً هائلاً في الشمال حال إقدام نتنياهو ومن معه على تجاوز الخطوط الحمراء في لبنان وخاصة بعد إطلاقه تصريحاً قال فيه: "نحن بصدد عملية واسعة وقوية في الجبهة الشمالية"، وكذلك قد يصبح النشاط العسكري اليمني مضاعفاً في حال فتح حرب مع لبنان فتصبح الجبهة اليمنية جبهة إسناد لكل من غزة وحزب اللـه في مواجهة العدو، أضف إلى ذلك الانهيار الدراماتيكي للثقة حيث بات التهكم على مقدرات الجيش "الإسرائيلي" في وسائل الإعلام والشارع أمراً طبيعياً، حيث وصفت وسائل الإعلام "الإسرائيلية" رئيس وحدة "أمان" الجديد بـ"النائم"، فهذه الوحدة الاستخباراتية التي استهدفها حزب اللـه في رده كانت مسؤولة عن اكتشاف "طوفان الأقصى" وفشلت، وكذلك فشلت في اكتشاف الصاروخ اليمني، في حين باتت كلمات المتحدث باسم الجيش فارغة لا تقنع أحداً حسب الإعلام "الإسرائيلي"، وانهيار الثقة بين جيش الاحتلال وأجهزته الأمنية والاستخبارية من جهة والمستوطنين الذين ما زالوا يدعمون نتنياهو في حربه هو سلاح مطلوب في هذه الحرب إلى جانب الأسلحة التقليدية التي تستخدمها المقاومة ضد الاحتلال.
وإضافة إلى القلق "الإسرائيلي" من الصاروخ اليمني فالمرجح أن الولايات المتحدة الأميركية باتت أكثر قلقاً على مصالحها في الخليج العربي والعراق والمنطقة عموماً، فالصاروخ الذي تمكن من قطع ألفي كيلومتر ومناورة الدفاعات الجوية "الإسرائيلية" المتقدمة، والوصول إلى تل أبيب، يستطيع الوصول أيضاً إلى القواعد الجوية الأميركية وإيقاع خسائر كبيرة فيها على اعتبار أن الولايات المتحدة دخلت حرباً معلنة ضد اليمن منذ أشهر وضربت ما استطاعت الوصول إليه منذ إنشاء تحالف "حارس الازدهار"، وأن دفاع اليمن عن نفسه مشروع وواجب، ويبدو أن تطوراً كهذا من شأنه أن يدفع واشنطن للضغط على نتنياهو لقبول صفقة التبادل ووقف الحرب وإنهاء تدحرج كرة الثلج قبل الوصول إليها.
المصدر: الوطن