الصورة الأولى، من زاوية رؤية الحدث البسيطة يسمع فيها قرع طبول الحرب المفتوحة ضد لبنان، والتي يمكن أن تنسحب على منطقة الشرق الأوسط برمتها، بحكم حالة الغليان التي تعمها منذ أكثر من عقد من الزمان على خلفية خرق القانون الدولي ومختلف الأعراف الدولية من قبل كيان الاحتلال "الإسرائيلي"، وعلى خلفية الحرب على سورية، التي تعكس حدة التنافس الدولي والإقليمي في الشرق الأوسط، لكن من زاوية رؤية أخرى يجب ألا نغفل أن سيناريو الحرب هذا وإن كان له أنصاره في الكيان، فإنه مكبوح، إذ تقف أمامه نقاشات حادة داخل "إسرائيل" سواء بين قياداتها أو داخل المجتمع الذي بات يضغط بقوة لعودة أسراه لدى المقاومة وعودة تعافى اقتصاده، وكذلك لعودة سكان مستوطنات الشمال إلى منازلهم، وكذلك من قبل قوى دولية ورأي عام عالمي يقف ضد إجرام الكيان، ومن ثم فإن سيناريو اتفاق سياسي شامل بين المقاومة والكيان قد يطيح بسيناريو الحرب المفتوحة في أي لحظة.
الصورة الثانية، من زاوية رؤية عاطفية تحيل بنا إما إلى التفاؤل وإما إلى التشاؤم، إذ يمكن تبرير نظرة التشاؤم بتسلسل الأحدث في غزة وفي لبنان، إذ تدحرجت الحرب في غزة حتى وصلت إلى أكثر من عام دون أفق واضح لحل منطقي يحفظ لغزة وأهلها حقوقهم، وسط تجربة مريرة من إجرام الاحتلال "الإسرائيلي" بحقهم، وموقف دولي وإقليمي يؤكد أن لا كابح لـ "إسرائيل" يجبرها على إيقاف غطرستها في المنطقة، إلا ما فعلته حركات المقاومة من لبنان إلى اليمن والعراق، فحزب اللـه دخل هذه الحرب كجبهة إسناد لغزة، وتحولت جبهة إسناده إلى حرب استنزاف تؤرق كيان الاحتلال وتؤلمه، وبات يرى فيها المعوق الرئيس عن تحقيق أهدافه في فلسطين، وانطلاقاً من هنا يمكن بناء بارقة الأمل والتفاؤل، إذ إن حرب غزة وحدت جبهات المقاومة وهو ما منع الكيان من تحقيق أهدافه في غزة بعد عام كامل من الحرب بمساندة علنية من داعميه الغربيين.
التفاؤل أو التشاؤم نفسه يمكن سحبه على مجريات الأسبوع الفائت، فنتائج الهجوم السيبراني على معدات تكنولوجية تستخدمها المقاومة ومجتمعها، وما سبقه وما تبعه من اغتيال "إسرائيل" لقادة في المقاومة اللبنانية والفلسطينية، في خرق علني لكل قواعد الاشتباك التي رسمتها المقاومة اللبنانية على وجه الخصوص طوال العقدين الماضيين، رفع نسبة التشاؤم عند المجتمع العربي عموماً ومجتمع المقاومة خصوصاً، إلا أن النظرة إلى الحدث من زاوية القياس بما مر على المقاومة والمنطقة خلال العقود الماضية، سيعيد التوازن إلى التفاؤل في مجتمع المقاومة والمجتمع العربي، وهنا علينا التذكير بأنه في ثمانينيات القرن المنصرم احتلت "إسرائيل" نصف لبنان وكان التحرير في العام 2000، وكان النصر في حرب تموز 2006، وسابقاً اغتال الاحتلال عشرات القادة للمقاومة اللبنانية، وكان لديها بدل القائد ألف قائد، ومؤخراً كانت سورية تعج بالإرهابيين ومن خلفهم 130 دولة تدعمهم، حتى حاصروا دمشق، والآن بدأت سورية تستعيد عافيتها، فالحرب كر وفر، ويسر وعسر، وأخذ ورد.
من الطبيعي أن تثار عواطف الحزن وأن يثار القلق لدينا مما يجري، لكن من المهم النظر إلى الأحداث بواقعية، وواقعية النظرة تقول إن محور المقاومة في حالة حرب، دخلها بعزيمة وإصرار وثقة بالنصر مسلحاً بالإيمان بأهدافه وبحقه في أرضه، ومن الطبيعي أن يتكبد خسائر، لكن الحقيقة أن الحرب لم تنته بعد، وأن النصر صبر ساعة.
كاتب سوري
المصدر: الوطن