خطاب الرئيس الأسد والانتقال من الأقوال إلى الأفعال.. كتب د. مازن جبور

الأحد 24 نوفمبر 2024 - 10:15 بتوقيت غرينتش
خطاب الرئيس الأسد والانتقال من الأقوال إلى الأفعال.. كتب د. مازن جبور

وضع الرئيس بشار الأسد العمل العربي المشترك على المحك، بكلمته في القمة العربية الإسلامية، إذ شدّد على هدف القمة وهو وقف العدوان لا مناقشته فقط، فكان مضمون الكلمة نقل العرب والمسلمين من خانة القول إلى خانة الفعل.

الرئيس الأسد لم يحضر القمة العربية الإسلامية من أجل الاستنكار والتنديد، فهو يرى في هذه المصطلحات كلمات لا يجب استخدامها مع الإجرام وسفك الدماء، فجاءت كلمته لاستنهاض مقومات القوة، وحث القادة العرب والمسلمين على تفعيلها في وجه القاتل المحتل، فلامست بذلك وجدان الجماهير، وجاءت حقيقية ومعبرة عن مأساة الشعب الفلسطيني والشعب اللبناني.

أتى الرئيس الأسد على جانب التوصيف في كلمته، توصيف الكيان الصهيوني وقطعان المستوطنين، وفنّده كما جاء في التاريخ، فخطابه كان فيصلاً وطنياً عروبياً إنسانياً بامتياز، فالعبارات منتقاة بحكمة وواقعية، ومحبوكة لغوياً بما يوظف اللغة في تبيان فلسفة النص، فيخرج جوهره من بين السطور ومن بين الكلمات ومن بين الحروف.

أراد الرئيس الأسد من القمة العربية والإسلامية وضع سيناريوهات عملية للتعاطي مع حرب الإبادة والقتل وسفك الدماء، فهو لم يرد الاستنكار والشجب، بل أراد الاتفاق على خطوات عملية، تقود إلى مواجهة التصعيد بالتصعيد، والصاروخ بالصاروخ، والقتل بالقتل، والتدمير بالتدمير، أي بالمختصر السلام بالسلام والحرب بالحرب، ومن ثم يجب رسم الخطط وتسخير الأدوات، من قوات عسكرية وبشرية واقتصادية وسياسية وغيرها، ووضعها تحت الأمر بالتصرف المباشر.

فكلمة الرئيس الأسد لم تكن موجهة لأهل فلسطين فقط ولا لأهل لبنان ولا للعرب فقط ولا للمسلمين بل للعالم برمته، فتحدث عن الشعوب وميز بينها وبين قطعان المستوطنين، مريداً بذلك تنبيه البشرية، تنبيه العالم برمته، من القطعان المتوحشة المنفلتة من عقالها والتي تمارس العنف بلا أي رادع، ويحيل عقل المتلقي إلى المقارنة بين قطعان المستوطنين الذين هربوا مع أول قذيفة استهدفت مستوطناتهم، في حين يباد شعب غزة ولم يخرج أي منهم من القطاع المحاصر.

لقد فاجأ الرئيس الأسد في خطابه القاصي والداني، وخاصة أصحاب التكهنات التي سبقت الخطاب، وكان أغلبهم قد رجحوا لخطاب سوري معتدل بعيد عن المواجهات، لكن الخطاب كان مختلفاً ومفاجئاً، فبدا الرئيس الأسد متحدياً في خطابه ملغياً فكرة الليونة التي تمس القضية العربية المركزية، لقد كان الخطاب السوري قوياً لا بكلماته الطنانة أو بالحشد الجماهيري والتصفيق، بل بما تضمنه من دعوة لخطة عمل واضحة، تقتضي الأفعال لا الأقوال.

إن أولى هذه النقاط ويمكن اعتبارها الأهم، هي الرسالة السورية الموجهة إلى كل طرف يحاول أن يفاوض الرئيس الأسد من أسفل الطاولة مفادها الرفض النهائي لمبدأ التنازلات، واختياره المقاومة بدلاً من الفوضى لينهي بذلك الأقاويل التي تدور حول الموقف السوري من المقاومة ومن حق الشعوب في تحرير الأرض.
إن كلمة الرئيس الأسد جسّدت أدبيات التيّار العروبي الواسع، وهذا ليس مستغرباً عن سورية وقيادتها بل هو أمر طبيعي، أي إن قمة الهرم السياسي في سورية يجسّد الروح العروبية، فهذه هي سورية قلب العروبة النابض، والتي استهدفها العدوان الكوني لحرفها عن عروبتها، وعن تمسكها بالقضايا العربية وعن السعي لتحقيق المصلحة القومية العربية، باعتبارها التحدي الرئيس أمام كيان الاحتلال.

إذاً أتى كلام الرئيس الأسد ليحسم فكرياً وسياسياً جدلاً عبثياً في الفضاء الفكري والسياسي والدفاعي، حول العلاقة بين غزة وفلسطين من جهة، وفلسطين ومحيطها العربي الذي تنتمي إليه من جهة أخرى، فجاء كلام الرئيس الأسد ليدحض كلّ ذلك، ويعتبر ألا تناقض بين هوية فلسطين وغزة مع الهوية العربية الجامعة لكلّ تلك المكوّنات، وهذا هو متن الخطاب العروبي ومن يؤمن بالمشروع النهضوي العربي، فهذه العروبة الجامعة في ظل الهيبة الإسلامية، تحلّ المشكلة المصطنعة للأقلّيات.

ما جاء في كلمة الرئيس الأسد يضع القادة العرب أمام قائد مخضرم وموهوب، واسع الاطلاع بالتاريخ والثقافة وبأهمية التجدّد الحضاري عبر التمسّك بالهوية الجامعة التي تصون وحدة المجتمع كمرتكز لتحقيق وحدة الأمة، فالمعركة ليست سياسية ودفاعية فحسب بل مجتمعية وثقافية وحضارية، فهذا هو الرئيس الأسد عندما يتحدث، يجعل الجميع يتفكرون في محتوى حديثه، وخاصة عندما يتعلق الموضوع بالقضايا المبدئية، وعلى رأسها قضية الشعب الفلسطيني والصراع مع الكيان الصهيوني.

كاتب سوري

المصدر: الوطن

جميع الحقوق محفوظة لقناة العالم سورية 2019