يدرك المجتمع الدولي وقوانينه للحرب والسلام أن هذا الإجراء يعد شكلاً متقدماً من أشكال الانخراط الأميركي في حرب الإبادة التي يرتكب الجرائم فيها جيش الاحتلال، في ظل تهديد "إسرائيلي" بتوجيه هجوم عسكري على إيران قد يشكل مقدمة لحرب إقليمية تزعم إدارة الرئيس الأميركي جو بايدين أنها لا ترغب بها في المنطقة.
ويذكر أن اختراق أكثر من مئتي صاروخ إيراني للدفاعات الجوية "الإسرائيلية" في الأول من تشرين الأول الجاري وسقوط عدد كبير منها في مواقع عسكرية "إسرائيلية" إستراتيجية جعل حكومة "إسرائيل" تطلب من واشنطن حماية أجوائها لمنع تكرار ما حدث في ذلك اليوم، ويندرج هذا الإجراء الأميركي ضمن ما يعده الخبراء العسكريون في الغرب استكمال التحضيرات "الإسرائيلية" – الأميركية لردع إيران عن الرد على هجوم تهدد "إسرائيل" بتوجيهه ضد إيران للانتقام من سقوط الصواريخ الإيرانية عليها قبل أسبوعين.
وفي المحصلة النهائية لدوامة التهديدات "الإسرائيلية" والدعم العلني الأميركي لها يبدو أن واشنطن لا ترغب بالعمل على إيقاف الحرب الطاحنة التي تشنها "إسرائيل" على قطاع غزة وعلى جنوب لبنان برغم أن وزارة الدفاع الأميركية تدرك أن هذه الحرب الطاحنة لم تعد تقتصر على قوى المقاومة الفلسطينية واللبنانية بل أصبحت الجمهورية الإسلامية الإيرانية منخرطة فيها بقواتها وبشكل مباشر بعد أن وجهت علناً ورسمياً هجوماً صاروخياً على "إسرائيل" في نيسان ثم كررته في تشرين الأول الجاري بشكل أشد للتأكيد على أنها مستعدة ليس لتقديم الدعم السياسي والعسكري لقوى المقاومة فقط بل للمشاركة بقدراتها العسكرية العلنية المباشرة لحماية المقاومة عند أي ضرورة.
وأصبح هذا العامل الجديد الذي دشنته إيران في نيسان الماضي بشن هجوم مباشر على الكيان، وكررته في تشرين الأول الجاري جزءاً لا يتجزأ من ميزان قوى المقاومة الفلسطينية واللبنانية، أما الكيان "الإسرائيلي" فلم يجرؤ حتى الآن على الاعتراف بمسؤوليته الرسمية أو العلنية عن شن أي هجوم عسكري مباشر شنه على إيران أو فوق أراضيها بل ما زال يتجنب إعلان مسؤوليته عن عمليات ينفذها استخباراتيا ضد إيران تاركاً للوسائل الإعلامية الغربية و"الإسرائيلية" أن تنسبها لـ "إسرائيل"، وهذه الطريقة تدل على الخوف من قدرة الردع الإيرانية، وبالمقابل حاولت الإدارة الأميركية تجنب الكشف عن انخراطها العسكري المباشر في حرب الكيان "الإسرائيلي" ضد قطاع غزة وجنوب لبنان طوال عام على حرب الإبادة "الإسرائيلية"، لكنها منذ لحظة إعلانها عن إرسال طواقم عسكرية أميركية لتشغيل بطاريات "ثاد" من داخل أراضي الكيان قبل يومين تكون قد نقلت نفسها إلى الانخراط المباشر بقواتها لحماية جيش العدوان "الإسرائيلي" وما ينفذه من جرائم حرب لإبادة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وما يرتكبه من الجرائم ضد الشعب اللبناني، وقد لا تكتفي إدارة جو بايدين بتنفيذ هذا الشكل الدفاعي الجوي من داخل أراضي الكيان، بل ربما تحاول تصعيد انخراطها عند الضرورة بالمشاركة المباشرة إلى جانب "إسرائيل" في توجيه ضربة أميركية عسكرية مباشرة للأراضي الإيرانية إلى جانب الضربة "الإسرائيلية"، وهذا على الأقل ما ذكره تقرير في الثامن من تشرين الأول الجاري لوكالة أنباء "إن بي سي" الأميركية على لسان بعض المسؤولين الأميركيين الذين لم يكشفوا عن هويتهم، ومع ذلك لا يمكن استبعاد أن تكون واشنطن قد أرسلت بطاريات الدفاع الجوي "ثاد" لكي تجمد "إسرائيل" ردها على إيران وتكتفي بشن عملية استخباراتية تخريبية ضد مصالح إيرانية من دون الإعلان عن مسؤوليتها بدلاً من شن هجوم مباشر تعلن فيه عن مسؤوليتها فيؤدي ذلك إلى تصعيد إيراني.
فالهدف الأميركي هو أن تستمر "إسرائيل" بسياسة الغموض التي اتبعتها في الماضي والقائمة على تجنب شن هجوم مباشر على أراضي إيران ولا تعلن مسؤوليتها عنه، وربما تهدف واشنطن بهذا الشكل إلى المحافظة على استمرار الحرب "الإسرائيلية" ضمن درجة ومسار أميركيين دون أن تخرج عن السيطرة خوفا من نتائجها الوخيمة على مصالحها إذا ما اندلعت حرب إقليمية بتوقيت لا ترغب به الآن.
المصدر: الوطن