الفينيق اللبناني المقاوم.. يستعيد عافيته ويفرد جناحيه.. كتب محمد نادر العُمري

الخميس 17 أكتوبر 2024 - 08:37 بتوقيت غرينتش
الفينيق اللبناني المقاوم.. يستعيد عافيته ويفرد جناحيه.. كتب محمد نادر العُمري

لعل ما ذكرته شبكة الـ CNN الأميركية كانت أبرز التعبيرات التي وصفت قدرة المقاومة اللبنانية والمتمثلة بحزب اللـه في تجاوز مصابه الجلل، حينما وصفت هذه الشبكة ما حصل بالحزب بـ"النكبة الكبرى" التي استطاع من احتوائها ومن ثم استعادة السيطرة والقيادة والتحكم، حتى بات السؤال الجوهري يدور في الغرف المغلقة: هل نجحت استراتيجية "إسرائيل"، ومن خلفها أميركا، في تحقيق مآربهما العدوانية بتدمير قدرات الحزب المتنوعة؟ وأي قدرة كشفها الحزب وسيكشفها خلال المرحلة المقبلة؟

 

الوقائع والمؤشرات والتطورات المتراكمة والمتسارعة تؤكد أن المقاومة اللبنانية تمكّنت من استيعاب آلامها، ونجحت في إعادة فرد جناحيها السياسي والعسكري لإعادة فرض توازن جديد في الاشتباك السياسي والعسكري في مواجهة معادلة استعادة توازن الردع الذي سعت حكومة الاحتلال لتكريسها كأمر واقع على لبنان، بما يخلقه ذلك من انعكاسات على الأمنين اللبناني والإقليمي على حدٍ سواء.

هذه المؤشرات السياسية والعسكرية تزامنت بتوقيتها وتداخلات في ترجماتها التنفيذية، حتى بات العدو قبل الصديق يعترف بأن ما تعرضت له المقاومة من ضربات مؤلمة وقدرتها على استيعاب ما حصل واحتوائه، ثم الانتقال لفرض رؤيتها وإيقاعها العسكري والسياسي، هو صمود وفعل نوعي قلّ مثيله، حتى هناك العديد من الدول الكبرى كانت لتنهار لو أنها تعرضت لما تعرض له الحزب خلال المرحلة الماضية، وهذا يعود لمجموعة من العوامل أهمها:

أ‌. البنية الهيكلية والتنظيمية المرنة التي اتسم بها الحزب والسمة غير المركزية في اتخاذ القرارات التكتيكية، والتي ميزته عن التكوينات الحزبية الأخرى، لبنانية كانت أو دولية، وهذه الميزة جعلته فاعلاً ومؤثراً يتعدى حجم الأحزاب التقليدية، ولا يقارن بـ "بيروقراطية" العمل المؤسساتي للدول.

ب‌. العقيدة الجهادية والإيمانية لكوادر الحزب، على مختلف المستويات القيادية والقتالية والتنفيذية والسياسية والبرلمانية والإنسانية، وهذه العقيدة، بشقيها المقاوم والإيماني، جعلت هذه الكوادر كلها تلتزم بعملها ومسارها من دون أي عوامل مؤثرة على معنوياتها أو توجهاتها أو سلوكها الجهادي، وهو ما يجعل المنافسة والصراع داخل الحزب غير موجودة.

ت‌. القراءة الاستراتيجية للحزب، والتي طورت وفق ما يبدو بعد عدوان تموز العام 2006، واغتيال القائد الشهيد عماد مغنية في العام 2008، من تهيئة للكوادر وجعلها مؤهلة لاستلام زمام القيادة بطريقة مرنة وسلسة.

ث‌. خطاب النصر الذي ألقاه المرشد العام للجمهورية الإسلامية الإيرانية وتوجهه للمقاومة بالصبر والثبات، بعد يومين من تنفيذ عملية "الوعد الصادق2" ضد الكيان، وما نجم عنها من مفاعيل استراتيجية أبرزها إسقاط سرديات الدعاية الصهيونية الهادفة لخلق شرخ بين القوى الفاعلة في جبهة المقاومة.

ج‌. العامل الأبرز والأهم هي الحاضنة الشعبية والداعمة والمؤيدة للمقاومة، والتي لم تغير من موقفها على الرغم من الآلام والمصائب كلها التي حلت بها.

وللدلالة على قدرة الحزب في استعادة زمام المبادرة والقيادة والسيطرة، يمكن الاستناد إلى مجموعة من المؤشرات السياسية والعسكرية والإعلامية التي تثبت ذلك:

أولاً- على الصعيد السياسي تجلى ذلك ضمن مؤشرين؛ الأول: فيما تضمنه تصريح نائب الأمين العام لحزب اللـه نعيم قاسم في ذكرى عملية "طوفان الأقصى"، من تأكيد على ثوابت الحزب في الوقوف إلى جانب فلسطين وعدم الخوض في المباحثات قبل التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار، والأهم تأكيده عدم وجود أي فراغ في المناصب القيادية العسكرية للحزب، وكأن قاسم عبر عن توجهات الحزب في تبني استراتيجية القيادة الجماعية المشتركة على غرار ما كان عليه الحزب منذ التأسيس في عام 1982، وحتى انتخاب أول أمين عام له في عام 1989، لمعايير عدة، ربما أهمها في هذا التوقيت إرباك العدو وعدم منحه فرصة، أو بهدف منح أولوية إدارة التصدي للعدوان.

أما المؤشر الثاني فيتمثل ببياني غرفة عمليات المقاومة التي كرست ما أكده قاسم من عودة منظومة القيادة والسيطرة أقوى وأصلب مما كانت عليه سابقاً وترجم فيما بعد بتزايد اتساع رقعة الصواريخ والاستهدافات داخل عمق الكيان.

ثانياً- على الصعيد العسكري؛ فقد تجلت مؤشرات استعادة السيطرة والقيادة للمقاومة، بشكل واضح، من دون أي لبس، من خلال تصعيد وتيرة العمل المقاوم لكوادر الحزب وفقاً للأحداث الآتية:

1. زيادة عدد العمليات العسكرية المقاومة التي تبناها الحزب، وبمختلف مجالاتها الصاروخية والبرية والجوية، عما كان عليه الواقع قبل استشهاد الأمين العام السابق حسن نصر اللـه، بمعدل يتراوح بين 200 إلى 300 بالمئة، كما أن نوعية الصواريخ ومداها أخذت منحىً متصاعداً، سواء أكان ذلك بإدخال أسلحة جديدة من طراز "فادي" للخدمة، والمدايات الذي تجاوزت به المقاومة عملياتها لما قارب 140 كم، والكثافة النارية، وهو ما ينطبق على الطائرات المسيرة التي أحدثت رعباً في منطقة "بنيامينا" بحيفا عندما استهدفت مقراً لأحد قواعد اللواء جولاني.

2. زيادة عدد الفارين من المستوطنين "الإسرائيليين"، في مناطق المستوطنات الشمالية، وزيادة التقديرات الصهيونية عن زيادة موجات النازحين في حال استهدفت المقاومة حيفا الكرمل. كما توعدت غرفة عمليات المقاومة، في بيانها، بتحويلها لمنطقة مشابهة لكريات شمونة التي لم يبق بها سوى ألفي مستوطن من أصل 25 ألفاً.

3. الدلالات العسكرية والأمنية والاستخباراتية إلى جانب القيادة والسيطرة، لما كشفه عنه الإعلام الحربي للمقاومة خلال عرض مقطع فيديو "هدهد3"، إذ تكمن أهم دلالات هذا المقطع، من حيث توقيته السياسي، في استكمال عمل الوحدة الخاصة بالطائرات المسيرة والمنظومة الجوية داخل الحزب على الرغم من استشهاد قائدها محمد سرور، وهو ما يؤكد مصداقية تصريحات قاسم وبيانات غرفة العمليات بعودة السيطرة والقيادة بشكل أصلب، لكون المقطع لم يتناول حيفا فقط، بل حيفا والكرمل أي المدينة وريفها، وتضمن بصور دقيقة جداً بنك أهداف عسكري وتجاري واقتصادي وصناعي وسياحي وطرقي… إلخ، وبشكل يؤكد رصد التحديثات والتغييرات، وخاصة في المجال العسكري التي أجراها الكيان خلال المرحلة السابقة، وبما يؤكد وجود عناصر بشرية داخل الكيان تسهم في تحديد هذه المناطق بهذه الدقة، لكون المسيرات ترصد الصور والمناطق، ولكن لا تستطيع معرفة طبيعة هذه المواقع وأسمائها، ولعل معرفة صالة الطعام لجنود جولاني وتوقيت اجتماعهم خير دليل على ذلك.

4. الخسائر البشرية واللوجستية التي تعرضت لها قوات الاحتلال، والتي تجاوزت 450 جندياً بين قتيل وجريح، وتدمير العديد من الآليات بما في ذلك دبابات "الميركافا"، في أثناء محاولاتها المتكررة للتوغل في الجنوب اللبناني، على الرغم ممّا نفذته من أحزمة نارية على طول الخط الجنوبي للحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة، والتي تزيد على 79 كم، وصولاً إلى نهر الليطاني الذي يبعد عن الحدود مع فلسطين المحتلة بما يقدر 35 كم.

5. سرعة إصدار الإعلان عن بيانات المقاومة اللبنانية نقلاً عن الخطوط المقاتلة المتقدمة. وهذا ما يعني أن الجانب الاتصالي بين قيادة الحزب والكوادر الجهادية هي بخير، وتتم بتنسيق ومباشرة وبمتابعة لحظية، بين القاعدة والهرم وبين مختلف أجهزة الحزب، الإعلامية والقيادية، فضلاً عن الرسائل الأمنية والعسكرية التي تضمنتها المقاطع المصورة، والتي نشرها الإعلام الحربي لوحدة الرضوان، في الاستعداد والجهوزية وزرع الألغام، إلى جانب ما قدمه، ويقدمه الإعلام الحربي للمقاومة، من أداء رصين ومميز بما ينشره من مواد إعلامية تظهر حجم خسائر العدو من جهة وقوة وثبات المقاومة في مقابله، والتصدي للدعاية المضادة المشجعة على الفتنة.

هذه المؤشرات وغيرها الكثير تشكل دلائل على أن الفينيق المقاوم اللبناني، استعاد عافيته وجدد نفسه بنفسه وفرد جناحيه رغم مصابه الجلل، ومن المؤكد أنه يواجه أكبر وأخطر مشروع على مستوى المنطقة بقيادة وتخطيط أميركي- "إسرائيلي"، وقد يستعرض الكثير من قدراته التي توعد بها أمينه الشهيد سابقاً.

كاتب سوري

المصدر: الوطن

جميع الحقوق محفوظة لقناة العالم سورية 2019