مدينة تاريخية.. تقع إلى الشمال الشرقي من مدينة دمشق بنحو 56 كيلومتراً، يتحدث أهلها اللغة الآرامية (وهي لغة السيد المسيح) حفاظاً منهم على هذا الموروث الروحي العريق.
طبيعتها المعمارية التي أسست وفق تراكيب متناسقة مفعمة بالهندسة الروحانية، تجعل من زواياها ودروبها وحجارتها بجبالها الشماء الماكثة ضمن شق جبلي لوحة جميلة تملأ الأفق بمشاهد رائعة.
كما لقداسة موقعها، حيث البقعة الجميلة الزاخرة بأجواء روحية استثنائية تفسرها مواقع الكنسية التاريخية، ومنها دير القديسة "تقلا" للروم الأرثوذكس، التي تحفل الذاكرة بالعديد من قصصها، والتي تعد جزءاً من الموروث والتراث اللامادي لهذه المدينة، كما دير (القديس سركيس والقديس باخوس) للكاثوليك، وغيرهم..
سكنت القديسة (تقلا) هذه البقعة التي تدعى (معلولا)، وتمكنت من تشييد بناء صغير ضمن كهف جبلي، الذي توسع فيما بعد حتى أصبح يعرف باسم (دير القديسة تقلا)، ومن ثم اتخذه العديد من المرضى والنساء العقيمات مكاناً للشفاء والتبرك بقدسية (تقلا)، ويحفظ هذا الدير العديد من الأيقونات الدينية والتي تمثل ثقافة ذلك العصر.
أما دير (القديس سركيس والقديس باخوس) فقد شيد على قمة جبل يرتفع نحو (1792 متراً) مطلاً على معلولا في منظر مهيب تغشاه القداسة.
كما يعرف عن هذا الدير أنه كان في بدايته معبداً وثنياً، ولما ساهمت سورية في انتصار المبادئ المسيحية على المعتقدات الوثنية، تخلى معظم الناس عن وثنيتهم وتحول المعبد إلى كنيسة مسيحية، ويبدو من حيث عمارته كالحصن من حيث جدرانه المحصنة وموقعه. وأقام في هذا الدير الرهبان والفلاحون والمزارعون وغيرهم، وبات يعرف باسم القديس (سركيس والقديس باخوس)، واللذين قضى عليهما الرومان.
حفظت سورية ذكريات هذين القديسين، فأطلقت اسم القديس سركيس على مدينة في حوض الفرات قرب الرقة عرفت باسمه (سرجيوبوليس) وهي الرصافة حالياً، تبركاً بقدسيته، كما يضم الدير العديد من الأيقونات والتي لها أهمية فنية وجمالية ودينية.
وتضم (معلولا) العديد من المباني الجنائزية وغيرها تتوزع على مساحتها الجغرافية كاملة، وتجسد صفحة من صفحات المجد الحضاري لسورية التاريخ، ما يضفي مسحة من الملحمية الحالمة على هذه المدينة، ويجعل من زيارتها بمثابة عناق مع التاريخ، واستلهام لذكريات الأمس التي تسكن ذاكرة أبنائها.
المصدر: صحيفة تشرين