مهنة "الرتي" تراث سوري قوامه الصبر ولم يتأثر بدخول المكننة

الخميس 24 أكتوبر 2024 - 10:11 بتوقيت غرينتش
مهنة "الرتي" تراث سوري قوامه الصبر ولم يتأثر بدخول المكننة

من دمشق وحلب وحمص بدأت.. لكنها لم تتأثر بدخول المكننة، وبقيت وحدها يدوية لا تتجاوز بمتطلباتها الإبرة الدقيقة، ‏كما أن مادتها الأولية عبارة عن كمية من بقايا أقمشة البدلات التي يحصل عليها "الرواف" من خياطي ‏الملابس ثم المقص.‏

مهنة "ريافة الملابس" أو ما يعرف بالعامية "الرتي"، وريافة الملابس مهنة قديمة عرفها السوريون عن أجدادهم، كما كانت الحاجة إليها ماسة ‏وملحة، في وقت كانت البيوت السورية تعيش الحاجة إلى ماكينات خياطة.

الإنسان الذي ‏يحترف مهنة الريافة لا يحتاج إلى رأسمال كبير، لأنه يكتفي بدكان صغير وكرسي يجلس عليه ‏ثم أدواته القليلة والرخيصة، إلا أنه يحتاج إلى ما هو أثمن من كل ذلك "الدقة والصبر ‏الطويل"، لحين القيام بعمله على الوجه الأكمل، كما اشتهر بعض الروافين في دمشق ‏وحلب وحمص بأنهم يروفون الشق الكبير الذي تصاب به البذلة أو الطقم أو الدشداشة أو أي ‏ملبس يتعرض للشق أو جراء "نشلة" لا يمكن إصلاحها بماكينة الخياطة، فيعيدونها إلى ما ‏هو أقرب إلى ما كانت عليه البذلة قبل أن تعطب.

وقد اعتمد أغلب الناس المحتاجين والموظفين ‏المعوزين في إصلاح ملابسهم القديمة على (الرواف)، فنحن نرى هذه الطبقات كثيراً ما تجلس ‏في دكاكين الروافين، وكل واحد منها يحمل مجموعة من ملابس العائلة لإعادتها صالحة للبس، فقد ‏تعوضهم بذلك عن شراء الملابس الجديدة والغالية الثمن.‏
كما انتشرت المهنة في بقية المدن السورية، إلا أن عدد ممارسيها يعد قليلاً والسبب دخول ماكينة الخياطة ‏وتطورها، إلى جانب ذلك أصبحت (مهنة الريافة) عالمية، لكنها لا تكون إلا في المدن ‏الكبيرة، إذ لا يمكن أن يحصل (الرواف) على مورد كاف في المدن الصغيرة، ونستطيع أن ‏نشعر بوجود (الروافين) حتى في أوروبا.

عندما تشتري بذلة جاهزة فتجد في أحد جيوب ‏السترة قطعة صغيرة من قماش البذلة ذاتها مع زرين من أزرارها أحدهما صغير والآخر ‏كبير، وذلك من أجل تسهيل مهمة (الرواف) حتى لا يضطر لريافة (الشق) أو الثقب في ‏البذلة من جراء شرارة من سيجارة أو اعتداء من حيوان قارض أو حشرة.‏
ويذكر المؤرخون أن في بغداد منذ العهد العباسي كانت عوائل عديدة تمارس هذه المهنة ‌‏(الريافة)، فهناك شارع في بغداد (الكرخ) يسمى (شارع الرواف)، إضافة إلى سوق (الروافين)، ‏وكانت ملابس الخلفاء العباسيين ترسل إلى أمهر رواف في شارع الرشيد الذي يتفرع عنه ‏سوق الروافين.‏
وعلى كل حال فالريافة مهنة محترمة وهي قديمة قدم الملابس، إلا أنها لم تعد مثل مكانتها ‏الأولية السابقة في أيامنا هذه، لأن تحسن أوضاعنا المنزلية وانتشار استعمال المساحيق ضد ‏الحشرات القارضة وارتفاع مستويات الدخول العائلية، أدت كلها إلى أن الرواف لم يجد إلا ‏القلة من الزبائن، ومن هنا يأتي سبب قلة عددهم اليوم، إلا أننا سنظل بحاجة إليهم، وإلى مدى بعيد، ‏وستظل هذه المهنة يدوية ولن تكون آلية.‏

المصدر: صحيفة تشرين

جميع الحقوق محفوظة لقناة العالم سورية 2019