مهنة "ريافة الملابس" أو ما يعرف بالعامية "الرتي"، وريافة الملابس مهنة قديمة عرفها السوريون عن أجدادهم، كما كانت الحاجة إليها ماسة وملحة، في وقت كانت البيوت السورية تعيش الحاجة إلى ماكينات خياطة.
الإنسان الذي يحترف مهنة الريافة لا يحتاج إلى رأسمال كبير، لأنه يكتفي بدكان صغير وكرسي يجلس عليه ثم أدواته القليلة والرخيصة، إلا أنه يحتاج إلى ما هو أثمن من كل ذلك "الدقة والصبر الطويل"، لحين القيام بعمله على الوجه الأكمل، كما اشتهر بعض الروافين في دمشق وحلب وحمص بأنهم يروفون الشق الكبير الذي تصاب به البذلة أو الطقم أو الدشداشة أو أي ملبس يتعرض للشق أو جراء "نشلة" لا يمكن إصلاحها بماكينة الخياطة، فيعيدونها إلى ما هو أقرب إلى ما كانت عليه البذلة قبل أن تعطب.
وقد اعتمد أغلب الناس المحتاجين والموظفين المعوزين في إصلاح ملابسهم القديمة على (الرواف)، فنحن نرى هذه الطبقات كثيراً ما تجلس في دكاكين الروافين، وكل واحد منها يحمل مجموعة من ملابس العائلة لإعادتها صالحة للبس، فقد تعوضهم بذلك عن شراء الملابس الجديدة والغالية الثمن.
كما انتشرت المهنة في بقية المدن السورية، إلا أن عدد ممارسيها يعد قليلاً والسبب دخول ماكينة الخياطة وتطورها، إلى جانب ذلك أصبحت (مهنة الريافة) عالمية، لكنها لا تكون إلا في المدن الكبيرة، إذ لا يمكن أن يحصل (الرواف) على مورد كاف في المدن الصغيرة، ونستطيع أن نشعر بوجود (الروافين) حتى في أوروبا.
عندما تشتري بذلة جاهزة فتجد في أحد جيوب السترة قطعة صغيرة من قماش البذلة ذاتها مع زرين من أزرارها أحدهما صغير والآخر كبير، وذلك من أجل تسهيل مهمة (الرواف) حتى لا يضطر لريافة (الشق) أو الثقب في البذلة من جراء شرارة من سيجارة أو اعتداء من حيوان قارض أو حشرة.
ويذكر المؤرخون أن في بغداد منذ العهد العباسي كانت عوائل عديدة تمارس هذه المهنة (الريافة)، فهناك شارع في بغداد (الكرخ) يسمى (شارع الرواف)، إضافة إلى سوق (الروافين)، وكانت ملابس الخلفاء العباسيين ترسل إلى أمهر رواف في شارع الرشيد الذي يتفرع عنه سوق الروافين.
وعلى كل حال فالريافة مهنة محترمة وهي قديمة قدم الملابس، إلا أنها لم تعد مثل مكانتها الأولية السابقة في أيامنا هذه، لأن تحسن أوضاعنا المنزلية وانتشار استعمال المساحيق ضد الحشرات القارضة وارتفاع مستويات الدخول العائلية، أدت كلها إلى أن الرواف لم يجد إلا القلة من الزبائن، ومن هنا يأتي سبب قلة عددهم اليوم، إلا أننا سنظل بحاجة إليهم، وإلى مدى بعيد، وستظل هذه المهنة يدوية ولن تكون آلية.
المصدر: صحيفة تشرين