في أول وجود لها لم ندرك حجم الفرحة والسعادة..فهي أول حفيدة في الأسرة ,فبدت كالزهرة في أول تفتحها ونشرها للرحيق الأخاذ الذي ملأ الجو الأسري روعة وجمالا ملونا بالسعادة وقد سدت فجوات وفراغات في حياتنا العطشى لهذا
الكائن الصغير بعينيها المشعتين وحركاتها البريئة وهي لم تتجاوز بعد الأربعة أشهر وقد بدأت الزحف في أولى خطواتها على الأرض لا تصدق نفسها , فأخذتنا معها بذاكرتنا إلى أول افتتاح لمعرض الزهور منذ تسعة وثلاثين عاما وقد حضنته حديقة تشرين رئة دمشق التاريخ وقد أخذتنا إلى سحرها في سياحة داخلية اعتادت عليها نفوسنا كل عام نعب من هوائها النقي ما يملأ صدورنا ولترتاح أعيننا وتتشبع بألوان وأشكال من الورود والأزهار ,وعلى مدى الأعوام السابقة تمتد إلى ما قبل الأزمة كانت المتنفس الوحيد للسوريين على كافة شرائحهم وهوياتهم , والآن وقد عادت لنا وقد كبرت وتوسعت وأخذت مساحات بدأت تظهر لأول مرة في حنايا وزوايا الحديقة , فكانت بالإضافة إلى الزهور ومعها رفاقها من
الحرف الدمشقية العتيقة كالفخار والخشب ونسج الحرير والى جانبها قرية لعشاق القراءة من كبار وصغار ومساحات واسعة خصصت للعب الأطفال ولهوهم بعد سنوات من الألم والحرمان .
ولكن ما كان واقعا أسعدنا هو ركن ومقهى يقوم على إدارته فتية من الصبيان والبنات بلباس موحد يوزعون المشروبات الحارة والباردة على الناس الذين ملؤوا المكان تجاوبا وتفاعلا , بتعاملهم مع أناس من ذوي الاحتياجات الخاصة الذين ترعرعوا وكبروا وهم يحملون تلك المتلازمة التي لم تغب عقلهم وإرادتهم بل هي تظهر كمظهر خارجي يحمل صفات تميز بها الإنسان المنغولي.
في هذا المقهى لم تمنعهم إعاقتهم من الدردشة مع أي وسيلة اعلامية لنقل هذا الحدث الذي سعى الجميع لجعله على الأرض واقعا ملموسا , تعمل وتنتج فكان النموذج من عبد الرحمن و رهام وأحمد ومحمد .. والكل يقدم الخدمة التي اختص فيها بسعادة وثقة كبيرة بالنفس وقبل كل شيء بابتسامة تزين وجهه ,وهو يسأل ماذا تشرب ؟ فهذه الخطوة هي بداية وجود طبقة كانت في الظل واستطاعت بفضل عمل وجهد جهة أهلية إظهارها وإلقاء الضوء عليها والغوص في دواخلها لإيقاظ ذلك الجزء الغافي في أعماقهم الفعال والمنتج ليكونوا جزءا لا يتجزأ من المجتمع السوري , يقدمون خدماتهم كأي إنسان سوي وصحيح .
هي البداية لمجتمع يعمل الجميع فيه من أجل تقدم وتطور الوطن من خلال
مهرجان الشام بتجمعنا ..فكانت الشرارة الأولى لإطلاق أول مجموعة من ذوي الاحتياجات الخاصة مستعدة للعمل والإنتاج.\
فاطمة حسين