يطرح اقتراب القمة الأميركية – الروسية سؤالا أساسيا حول القدرة على ترتيب الأمور العالمية من خلال قمة، ومن إمكانيات واشنطن وموسكو على التعامل بقوة أكبر مع مسائل الأمن العالمي، فالحديث عن التحول في النظام الدولي يظهر اليوم بشكل مختلف كليا، حيث ظهرت الثنائية القطبية من جديد ولكنها في الوقت نفسه لم تعد تملك مرجعية قوية على مستوى من يعمل في فلكها، فلقاء الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأميركي دونالد ترامب يعبر وفق ما يحيطه من تصريحات عن عمق الأزمة على مستوى النظام العالمي، وفي الوقت نفسه يقدم حالة من المرونة الزائفة حيال المواضيع التفصيلية مثل الأزمة السورية.
عمليا فإن القمة تنعقد على إيقاع الخلافات داخل حلف شمال الأطلسي، ووسط اضطرابات في العلاقات يثيرها الرئيس الأميركي باستمرار، في حين المعسكر الآخر أكثر هدوءا ولكنه في الوقت نفسه لدية أزمات من نوع آخر، سواء على المستوى الاقتصادي أو نتيجة عدم القدرة على بلورة نموذج مقابل للتحالف الغربي الذي يعبر عنه في دول الناتو، وتبدو المسائل الأخرى وسط هذا المشهد تفصيلية، مثل الأزمة السورية، ولكنها تنقل عمق العجز الدولي في التعامل مع عناصر الأزمات مثل الهجرة غير الشرعية واللجوء، ومن هذه الزاوية فإن الولايات المتحدة تحاول تجاوز معابر الأزمات العالمية، حيث لا تبدو معنية بمساعدة حلفائها على خلق حلول جديدة، وهذا الأمر يفسر تصريحات الرئيس الأميركي بشأن سورية، ويقدم شكلا غير مسبوق لمحاولة «خلق فراغ» بدلاً من إستراتيجية «ملء الفراغ» التي سيطرت على الولايات المتحدة خلال خمسينيات القرن الماضي.
بالنسبة لسورية فإن الانسحاب الأميركي من أي منطقة يعكس بالدرجة الأولى تحولات في الإستراتيجية الأميركية، ولكن من دون الوصول إلى مذهب جديد يمكن اعتماده، ورغم أن هذا الأمر ينقل مشاكل حقيقية داخل دوائر صنع القرار في واشنطن، وعلى الأخص بين البيت الأبيض والبنتاغون، لكن الخلافات هي حالة تقليدية في الولايات المتحدة، وعدم الصرامة التي تميز القرارات الأميركية تجاه ما يحدث في سورية يؤشر إلى أمرين: الأول هو أن واشنطن غير مهتمة بتحولات العلاقة السورية – السورية وتأثيراتها في موازين القوى، فانهيار التنظيمات المسلحة لا يعنيها لأن اهتمامها منصب على طبيعة الأدوار الإقليمية، وقدرة إيران على سبيل المثال على التأثير في مسرح شرق آسيا، فالحرب الأميركية على طهران هي محاولة تحديد دوراً كي لا ينتشر غربا، نحو الشواطئ السورية حصرا، ومنعها من خلق حالة استثنائية وسط دول عملاقة في شرق آسيا مثل الصين والهند.
المؤشر الثاني هو في طبيعة الحرب الأميركية على إيران؛ حيث لم يعد مخرج هذه الحرب من البوابة السورية كما كان عام 2011، ويبدو هذا التصور منطقيا مع الحضور الروسي القوي في سورية، فما يحدث هو خلق فراغ سياسي في المنطقة كلها يكون متعبا لإيران، سواء عبر زيادة مشاكلها خارج حدودها كما يحدث في سورية نتيجة احتمالات المواجهة بينها وبين «إسرائيل»، وهو أمر تعتقد واشنطن أنه سيكون مكلفا نتيجة متاعب إيران الاقتصادية، أو من خلال دفعها نحو مواجهة دبلوماسية إذا قررت الانسحاب من الاتفاق النووي.
تتصرف الولايات المتحدة إزاء الأزمة السورية بشكل يوحي بأن الحصة الاقتصادية لواشنطن في الشرق الأوسط باتت مضمونة، ولا حاجة للتعب في رسم خرائط جديدة ستكون متعبة وتحمل احتمالات انفجارات مستقبلية، ولكنها في الوقت نفسه تترك الشرق الأوسط على لهيب من عدم التوازن، فهي غير مستعدة للضغط على أي طرف من أجل الأزمة السورية وهذا الأمر يزيد من مصاعب الدور الروسي في سورية، وإن صح تسمية هذه السياسة إستراتيجية فهي تريد خلق فراغ سياسي متعب للأطراف كافة.
مازن بلال / صحيقة الوطن