تتسارع الخطا نحو استعادة سورية لعافيتها أمنياً واقتصادياً وسياسياً وهذا الأمر يبدو جلياً لأي زائر عربي أم أجنبي قصد الجمهورية العربية السورية.
على الصعيد الأمني يلحظ الزائر عودة نبض الحياة في فنادق وأسواق وشوارع وأرصفة المدن السورية الرئيسية على اختلاف مواقعها حتى ساعات الفجر أما اقتصادياً فإن المواد الرئيسية وحتى الكمالية منها باتت متوافرة على مختلف أنواعها ومنتشرة في الأسواق إضافة إلى سعر الليرة السورية الأخذ بالتحسن بوتيرة متسارعة كلها مؤشرات تحمل دلالات إيجابية تؤكد استعادة العافية السورية.
أما الأهم هو عودة الدولة السورية إلى ممارسة دورها الفاعل على جميع المستويات فالقرار «الصامت» للقيادة السورية قضى بالبدء بمكافحة الفساد ومحاسبة المسؤولين مهما بلغ شأنهم وعلى مختلف المستويات والرتب والمراكز ومعاقبة كل من أفسد واغتنى بطرق غير مشروعة على حساب الشعب السوري وهذا القرار يُحسب للقيادة السورية الحريصة على محاربة إفرازات وممارسات قذرة خلفتها تلك الحرب على سورية وشعبها.
أما سياسياً ورغم استعادة سورية حياتها ورونقها فإن المجتمع السوري يشهد حالة من التشتت الذهني يسوده نقاش لا يخلو من الحدة أحياناً خصوصاً مع وجود اختلاف في الرؤى والتطلع نحو تحديد مسار المستقبل السوري.
بعض النخب السورية فضلت الجنوح نحو الانغلاق والاهتمام بالشأن السوري فقط وذلك بسبب تآمر معظم الحكام العرب على سورية لإسقاطها أما البعض الآخر فقد بات يفضل التنصل من المحيط العربي وإدارة الظهر لكل القضايا العربية حتى القضية الفلسطينية معللين ذلك بسلبية بعض الفصائل الفلسطينية التي غدرت بالدولة السورية على حين أن سورية العروبة لم تبخل بتقديم التضحية وحماية الفلسطينيين في يوم من الأيام وأنها لم تكن إلا سنداً وعضداً مهماً للقضية الفلسطينية.
أما النخب السورية صاحبة الشأن فهي ترى أن سورية هي قلب العروبة النابض وشعلتها المتقدة وحافظة للهوية العربية وأن سورية هي الدولة المحورية التي منحها الله موقعاً جيوستراتيجياً جعل منها حلقة الحل والربط في المنطقة كلها ولا يمكن تجاوزها مهما بلغت الشدائد وأن سورية التي حاربت ودافعت صوناً لشرف الأمة العربية هي سورية نفسها التي قاتلت دفاعاً عن لبنان وعن فلسطين وعن الأردن وقاتلت دفاعاً عن تراب سورية العربية ولا يمكنها إلا أن تكون قلب العروبة وهويتها والمدافعة الأولى عن الحقوق العربية وعن شرف فلسطين رغم تأمر العرب عليها ورغم المؤامرة الكونية ضدها إلا أن سورية العروبة لا بد لها من قيادة صحوة الشعب العربي المعتز بانتمائه العربي التواق إلى كسر طوق الارتهان.
ورغم بروز تيارات متعددة ومختلفة بيد أن سؤالاً واحداً يبحث عن جواب شاف بات يتردد على لسان الشباب السوري الذي بدأ يتلمس عودة الحياة ونهاية المأساة التي دامت سنوات (أي سورية نريد وما هو المنتظر؟).
مع نجاح الجيش العربي السوري بتحرير معظم المناطق الجنوبية من سورية والتوجه نحو الجولان المحتل برزت للواجهة مسارعة العدو الإسرائيلي للطلب من موسكو ضمان عودة سورية للعمل باتفاق فصل القوات المعمول بة منذ العام 1974.
وهنا يتصدر النقاش شريحة واسعة من المجتمع السوري الفكرية منها والثقافية من كبار المفكرين والمحللين والصحفيين وحتى المعتمدين في مراكز الدراسات الإستراتيجية.
هل نقبل العودة إلى ما كنا علية في العام 1974 وكأن شيئاً لم يكن وخصوصاً بعد كل تلك التضحيات والشهداء والخراب الذي حل بسورية؟
ألم تعمد إسرائيل نفسها إلى خرق اتفاق فصل القوات في الجولان المحتل وهي التي فتحت حدودها أمام الفصائل الإرهابية وهي التي سعت إلى إقامة جيب موال لها وهي التي طردت قوات الأندوف وأغارت على مراكز الدفاع الجوي العاملة في تلك المنطقة.
الم تكن إسرائيل الساعية إلى ضرب وإسقاط الدولة السورية ثم إنه لماذا علينا الرضوخ للرغبة الروسية على حين أن روسيا لم تستطع الضغط على إسرائيل في تنفيذ القرارات الدولية ولو مرة واحدة رغم العلاقات الجيدة بينهما.
البعض من النخب السورية يرى أن سورية أمام فرصة ذهبية سانحة في استعادة الجولان المحتل وخصوصاً مع تماسك محور المقاومة وعلينا انتهاز هذه الفرصة.
أما خبراء الدبلوماسية السورية فهم يرون وجوب تجنب الاندفاع غير المدروس كما أن ظروف سورية تفرض التمييز بين أولويات مهمة وأولويات أكثر أهمية كما تفرض علينا ضرورة البدء بمعالجة الأولويات الأكثر إلحاحاً قبل اتخاذ أي خطوة قد تؤدي للفشل أو الإخفاق وأن انتظار الوقت المناسب طبقاً للتطورات الراهنة يبقى الأسلم والأفضل كي نتمكن من فرض ظروف المعركة في الوقت الملائم وألا تُفرض علينا في ظروف صعبة.
إن أولويات القيادة السورية ربما تتمايز عن أولويات الحلفاء ولا سيما الإيراني أو الروسي ولم يعد خافياً أن خلافاً إيرانياً روسياً حول تحديد الأولويات في سورية كان مستحكماً في وقت من الأوقات بيد أن القيادة السورية وعلى رأسها الرئيس بشار الأسد كان له رأي وكلام آخر حيث وافق الطرفان الإيراني والروسي على الاحتكام لرأي القيادة السورية وهكذا تمت الاستجابة إلى سلم الأولويات التي حددها الرئيس بشار الأسد بما يتناسب مع المصلحة العليا لسورية وهكذا طوي التباين الروسي الإيراني الذي توج بزيارة ناجحة ومثمرة لمستشار القائد الخامنئي علي ولايتي إلى موسكو والاجتماع مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
إن النقاش الدائر حول العودة إلى اتفاقية فصل القوات 1974 من عدمه تقرره القيادة السورية وحدها وحسب الأولويات التي تحددها القيادة السورية.
إن القيادة السورية أخذت على عاتقها المسؤولية في تأمين عوامل النصر لسورية واستطاعت قيادة السفينة بنجاح وإيصالها لبر الأمان رغم العواصف الهوجاء معلنة عن إخفاق المؤامرة الكونية وفرضت المعادلة الجديدة التي أعادت الجمهورية العربية السورية إلى المعادلة الدولية باعتراف كل الدول حتى تلك التي شاركت في تنفيذ المؤامرة عليها.
نقول لأصحاب الفكر المشتت اطمئنوا فإن سورية لن تسمح بعودة الأمور إلى ما كانت علية وستبقى سورية العروبة هي القلب النابض للأمة العربية لأنها نيابة عن العرب دفعت من الدماء والأرواح والبناء والإعمار دفاعاً عن فلسطين والمقاومة والأمة العربية ولأنها الجمهورية العربية السورية فإنها لن تكون إلا الحصن الحصين لكرامة وشرف الأمة العربية.
رفعت البدوي / صحيفة الوطن