لم تكن الجريمة الوحشية المروعة التي ارتكبها تنظيم داعش الإرهابي في السويداء خارج سياق العربدة الإسرائيلية، ومحاولته اليائسة لحماية عناصر التنظيم الإرهابي من ضربات الجيش العربي السوري، ولا يمكن أن تكون بعيدة عن الضوء الأميركي وتدرجاته المختلفة، باعتبار أنه نفذ جرائمه تحت حراسة الأعين الأميركية في التنف وغيرها، حيث كانت إشارة البدء التي انتظرها التنظيم ليمارس إرهابه البشع بحق الأهالي والمدنيين.
فالواضح أن الخطوة الإسرائيلية التي جاءت بالتنسيق مع الأميركي لتدشين مرحلة جديدة من العدوان كان داعش فيها هذه المرة الذراع المشترك للأميركي والإسرائيلي، بحثاً عن ذرائع جديدة، خصوصاً بعد أن بات تنظيم النصرة خارج إمكانية التوظيف، وفقد القدرة على الاستثمار فيه، ولاسيما بعد افتضاح جريمة تهريب ذراعه الدعائي والإعلامي المسمى بالخوذ البيضاء، والتواطؤ الغربي والأممي بالرعاية الكاملة من قبل إسرائيل، فكان لا بد من البحث عمّا يعوض هذا الفراغ، من خلال إعادة النفخ في هذا التنظيم ليعيد إنتاج نفسه، ولو بالطريقة الإرهابية ذاتها.
المفارقة أن داعش الذي كان يشكل حالة مدمجة بذاتها في المشروع الإرهابي «الجزء المنبوذ فيه» أضحى اليوم حالة تجدد مفردات مشهد الاستهداف الإرهابي، انطلاقاً من القاعدة التي تتيح للأميركي والإسرائيلي إعادة إنتاج الهامش بعد افتقادها ميزة القدرة على إمساك العصا من المنتصف، كما اعتادت لسنوات طويلة، وباتت تمسك بعصا داعش نفسه وتتعكز بعكازه وتستخدم ساطوره وسكينه، والأدهى أنها تحتمي به وتدافع عنه حين تتطلب حالته المفلسة الحماية، وحين تقتضي مشاهد انهياره التدخل المباشر كما فعلت إسرائيل في عدوانها الأخير.
الفرق هنا ليس في المقارنة على ضرورتها، ولا في تلمس جوانب الاختلاف والتوافق على أهميتها.. إنما في الناتج الإرهابي الذي يجعل من الممارسة السياسية والرسائل العدوانية جزءاً من التفاهمات المسكوت عنها وعليها بين تنظيم داعش وإسرائيل، و»حسن الجيرة» الذي أتاح للتنظيم التنعم بالحماية الإسرائيلية والمساعدة، كما تنعم بها من قبل تنظيم جبهة النصرة، وحكاية العشرة الطويلة بينهما وصولاً إلى المزاوجة بين الأهداف والأجندات المدرجة على لائحة الأطماع الأميركية في سياق اللعبة القذرة التي تعتاش عليها ،حيث بات داعش ساعي بريد للرسائل الأميركية والإسرائيلية الدامية، رغم الحقيقة المطلقة بأن التدخل الإسرائيلي المباشر لوقف انهياراته لن يحول دون اجتثاثه، بل يسرع في النهاية المحتومة، ويقرب الساعة التي تنتهي فيها معاناة السوريين من ويلات وفظائع جرائمه، فداعش بطبعته الإسرائيلية وبالذراع الأميركية استنساخ آخر لما سبقه، وسواء كان مستورداً من الوكلاء أو مستنسخاً من الأصلاء، فإن الاستئصال حاصله وناتجه النهائي.
مشهد التصدي للإرهاب وداعميه، والذي تجلى بأبهى صوره في التلاحم بين الأهل في السويداء والجيش العربي السوري، أثبت أن هذا الإرهاب لن يكون مصيره مغايراً لمصير ما سبقه من إرهاب بغيض وحاقد، والسويداء ستبقى في قلوب السوريين، كما عهدوها مدينة صلبة قادرة على كنس الإرهاب مهما تغوّل، وعلى إفشال أهدافه وغاياته ودحره، وهي تدرك كما كل السوريين أن هذا التوحش دليل على الهزيمة المنكرة التي يواجهها الإرهاب شاهد إثبات على إفلاس مشغليه ورعاته وحماته، القديم منهم والجديد..!!
بقلم:
علي قاسم / صحيفة الثورة