انفضت الجلسات في سوتشي، وحزمت الوفود حقائبها بعد أن قدّمت قراءتها الخاصة بانتظار ما تحمله الرسائل من تفاصيل غير معلنة في البيان الختامي، أو بالأحرى ريثما يظهر التعاطي الرسمي مع المخرجات التي قدمتها سوتشي، في جولة كانت تميل بطبيعتها إلى الإيجابية الحذرة، على ضوء ما قدمته التجارب السابقة، لتبقى رهناً بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه، وبالترجمة السياسية وغير السياسية التي تكون عادة ساحة لظهور التباينات وبروز أوجه الاختلاف على المتفق عليه.
وحتى ذلك الحين يبدو أن الأمور الميدانية غير معنية بدرجة كبيرة بمخرجات السياسة، أو على الأقل غير محكومة بإيقاعها نظراً لطبيعة المشهد المتداخل والمعقد في التفاصيل، حيث ستضطر السياسة في نهاية المطاف إلى التكيف مع معطيات الميدان قبل أي شيء آخر، حيث الحديث والأنظار والتحليلات والاستنتاجات تتركز على
إدلب وتبدأ منها، وتنتهي إليها، خصوصاً لجهة حضور مخرجات سوتشي في التطورات الميدانية، وما تحمله.
العقدة التركية أمام منشار الحل أو الحلول والأفكار وحتى الخطط، لا تزال هي بيت القصيد في كل الحسابات والقراءات من منطوق الإدراك بأن النظام التركي يمارس ما لديه من فائض النفاق أينما حل.. وكيفما اتجه، وفي أي مقاربة يقدمها، ومثلما كان نقطة ضعف في مناطق خفض التصعيد.. يبدو أنه يتحول بالتدريج ليكون معضلة مزمنة في فهم تلك المخرجات التي يوقع على بيانها، في وقت لا يتحرج من إظهار أكبر قدر من مساحة أطماعه وتورماتها، حيث يبحث بشكل حثيث عن مرتسمات حضوره، وما عجز عن إحضاره يوكلها إلى مرتزقته وإرهابييه.
فالمشكلة ليست في الشعارات والأحاديث المنطوقة عن الرغبة في محاربة الإرهاب، وتخصيص جلسات ماراتونية للحديث عنه، ولا في توقيع بيانات ختامية أو مقدمات خلبية، بل هي في سياق التركيبة الخاصة بالنظام التركي الذي راهن على العامل الإرهابي للحصول على مقعد حول الطاولة السياسية، والمشكلة ليست في إعادة توزيع الطرابيش على الإرهاب السيئ والإرهاب غير السيئ أو المعتدل والمتطرف، بل في الإرهاب ككل، وقد أثبتت الوقائع أنه من طينة واحدة ومنبع واحد ومشهد يتكرر على نسق واحد، وإن تباين المشغلون أو المستثمرون أو الممولون والراعون.
إدلب اليوم أمام المشهد الذي سبق أن تكرر في غير موقع رغم الاختلاف في الظرف والموجة الإرهابية والترددات التي تحركها، والأجندات التي تديرها، في وقت كان الجيش العربي السوري يحتفل بذكرى تأسيسه، وكانت إنجازاته على الأرض تقص حكايتها الأزلية، ولن يطول الوقت حتى نشهد ما يشابه ما رأيناه في مناطق أخرى مع الفارق أنه يسدل الستار على البوابات المفتوحة للتمنيات الإرهابية بصيغة يقطع الشك باليقين، وينهي إلى غير رجعة آخر السيناريوهات التي ترسم أحلام السلطان وتجرده من أدواته الإرهابية التي طالما تفاخر برهانه عليها.
الأهم أن الرسالة السورية كانت واضحة منذ البداية أن لا مكان للإرهابيين في أي بقعة، ولا مكان لرعاتهم والمراهنين عليهم، ولا دور لهم.. لا طاولة ولا مقعد، وإن توهّم البعض وتورّمت تمنياته، فالمحسوم انهم سيدفعون الثمن، ولو بعد حين، والمحاولات المحمومة لغسل يديهم من موبقات الإرهاب لن تجدي، كما لم تجدِ في مواقع أخرى، خصوصاً من كان يعوّل على الدور والموقع و«حسن» الجيرة مع الإرهابيين، وحال شركاء الإرهابيين الآخرين لن يكون أفضل، فكل الدروب اليوم تؤدي إلى
إدلب وهي القصد.. من الجنوب والشمال.. من جنوب الجنوب ووسطه، كما هو حال شمال الشمال بوسطه .. من غربه إلى شرقه..!!
بقلم:
علي قاسم / صحيفة الثورة