لا أعتقد أن ثمة أمناً واستقراراً سيحصل ويتحقق دون القضاء على الإرهاب ومعالجة أسبابه الجوهرية إضافة إلى عودة اللاجئين والنازحين والمهجرين إلى وطنهم وبيوتهم ومعالجة الملف الإنساني وخروج كل القوى الأجنبية التي اعتدت على السيادة السورية بذرائع وأسباب شتى من قبيل مكافحة الإرهاب أو حماية الأمن القومي المزعوم ولعل كل محاولات استثمار تلك الأوراق تبدو غير ذي جدوى لجهة تحقيق أهداف سياسية تخدم أجندات القوى الخارجية فموقف الدولة السورية في ذلك واضح كل الوضوح ولم تتزحزح عنه قيد أنملة طيلة ظروف الأزمة وتعرجاتها وتضاريسها.
لقد خاضت السلطة السورية معركة سياسية لا تقل شراسة عن المعركة العسكرية تركزت حول ترتيب الأولويات فقد عملت و سعت القوى المعارضة وداعموها على جعل مقولة الحكم الانتقالي أولوية على جدول أعمال جنيف في نسخه المتعددة ولكن الإصرار السوري الثابت الحاسم نجح بأن يجعل الأولوية في المفاوضات والمحادثات تتعلق بموضوعة الإرهاب وهذا ما حصل فعلاً، ما شكل تحولاً بنيوياً في مسار الأزمة ولا سيما أن قواتنا المسلحة استطاعت في موازاة ذلك تحقيق المزيد من الانتصارات العسكرية في الميدان الأمر الذي عزز التوجه والموقف السياسي المشار إليه ودفع الأمور نخو ذلك الخيار أي خيار مكافحة الإرهاب أولاً.
وفي ذات السياق تعمل الدبلوماسية السورية راهناً كأولوية باتجاه طرد وإخراج كل القوى الخارجية وإزالة كل كائن غير شرعي عن الأراضي السورية أو فوقها وبسط سلطة الدولة على كامل الجغرافية السورية ما يمهد لعودة الاستقرار لكافة المناطق الأمر الذي يفسح في المجال بعودة آمنة للاجئين والنازحين والمهجرين إلى وطنهم ومدنهم وقراهم بشكل آمن وهذا يوفر فرصة حقيقية لإعادة الإعمار والبناء ومناخاً مناسباً لأي عملية سياسية ذات محتوى ديمقراطي في إطار الحديث عن حل سياسي للأزمة يعيد إنتاج مؤسسات ديمقراطية شرعية تأتي بفائض قوة الداخل لا بالضغط والإكراه الخارجي أو عبر أذرع الإرهاب.
وعلى المقلب الآخر ثمة من يحاول تسويق فكرة أن إسرائيل آمنة بعودة القوات السورية إلى حدود الجولان بعد طرد التنظيمات الإرهابية منها هي مقولة خاطئة وكاذبة ومشتبهة، ففي الحسابات الاستراتيجية الإسرائيلية يشكل الجيش العربي السوري ومحور المقاومة الخطر الحقيقي على إسرائيل وكان أحد أهداف الحرب على سورية إخراجها من المعادلة الاستراتيجية في إطار الصراع القائم منذ أكثر من سبعين عاماً ولعل الحديث الأميركي الإسرائيلي عن ضمانات لأمن إسرائيل بعد قمة هلسنكي والزيارات المكوكية لنتنياهو لموسكو مستجدياً هو أكبر دليل على صحة ذلك.
إن الكل يعلم أن نظامنا السياسي ومحور المقاومة سيكونان بلا شرعية سياسية وأخلاقية وشعبية أمام جمهورهما عندما يتخليان عن خطابهما ونهجهما المقاوم وهذا محال في قاموسنا السياسي ولا سيما أن القيادة السورية ومنذ عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد وحتى الآن رفضت وترفض كل محاولات إسرائيل بعقد معاهدة سلام دون الانسحاب الكامل من الجولان المحتل وسيثبت القادم من الأيام أن الخاسر الأكبر في كل ما جرى في سورية هو العدو الإسرائيلي وحلفاؤه، وأن سورية لم ولن تتخلى عن ثوابتها السياسية المتجذرة في وعي وضمير السوريين تحت كل الظروف لأنها لا تتاجر بالمبادئ والمواقف.
بقلم: د.خلف المفتاح /صحيفة الثورة