كغيرها من المجازر المروّعة التي دأب التحالف السعودي الإجرامي على ارتكابها بحق شعب اليمن وأطفاله، مرّت مجزرة صعدة التي ارتكبها مؤخراً، وكأنها حدث عادي لا يستحق تحرك الضمير الإنساني، ليقوم بواجبه الذي يمليه عليه القانون الدولي، وميثاق الأمم المتحدة، ضد المجرم المعتاد على تقتيل اليمنيين، دون أن يتحرك المجتمع الدولي لإيقافه ومحاسبته.
مرت المجزرة دون رد فعل يذكر سوى أصوات بعض المنظمات الدولية المعنية، والبيان – الفضيحة الذي صدر عن اجتماع مجلس الأمن، والذي طالب فيه المجلس، بعد صمته المريب الطويل، بتحقيق موثوق حول المجزرة.ومن فورها تعهدت السعودية بإجرائه..!!.
ويبدو أن فظاعة المجزرة وبشاعتها أجبرتا المجلس هذه المرة على التحرك الخجول، حفظاً لماء الوجه، فأصدر بيانه السخيف الذي استطاعت، من خلاله، الدول الغربية الداعمة للحرب السعودية على اليمن، ولاسيما أمريكا وبريطانيا، منع إجراء تحقيق دولي مستقل يدين المجرم المعروف للجميع، ويضعه في قفص المحاكمة. بعبارة أخرى جاء رد مجلس الأمن أسوأ بكثير من عدم الرد، والصمت الذي كان يلوذ به في المرات الشبيهة السابقة، فقد قدّم، هذه المرّة، المخرج الذي نجحت الدبلوماسية الأمريكية والبريطانية المؤيدة للمجرم الوهّابي في هندسته بطريقة تُعفي المجلس من القيام بدوره المطلوب في مثل هذه الحالة، كما تُعفي المجرم من تحمّل مسؤولية فعلته الشنيعة…
وإذاً فقد مرّت المجزرة، ووريت الأجساد البريئة الطاهرة الثرى، وقريباً ستفبرك مملكة القتل والتنكيل تحقيقاً مزوّراً يُبعد التهمة عنها، ويمتص نقمة بعض الدول الغربية القليلة عليها، ثم تعود إلى ارتكاب مجازرها انتقاماً من الشعب اليمني الذي رفض التنازل عن استقلاله وكرامته، وقرر مواجهتها بكل بسالة وشجاعة، وعرف كيف يُحبط مخططاتها، ويوجه لها الضربات العسكرية الموجعة…
على أن ما يلفت النظر في هذه المأساة المستمرة منذ سنوات، ليس موقف المجتمع الدولي، والتواطؤ الأمريكي البريطاني مع المجرم، فثمّة على الأقل بعض الأصوات الدولية التي نددت واستنكرت وطالبت بمحاسبة الفاعل، وإيقاف عدوانه الغاشم، وإنقاذ اليمن من أسوأ كارثة إنسانية تفتك بشعبه، والحقيقة أن الموضوع الإنساني في المأساة اليمنية كان ينبغي أن يكون وحده كفيلاً بتحريك المجتمع الدولي، لكننا نعرف كيف يتعامل هذا المجتمع الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة مع المسألة الإنسانية عموماً، وكيف يتجاهلها ويطمسها تماماً عندما تتعارض مع مصالحه وأهدافه…
ما يُلفت النظر هو الموقف العربي المُخزي الذي تماهى، في جزء منه، مع الموقف السعودي، واكتفى في جزئه الآخر بالصمت المُطبق، وكأن الأمر لا يعنيه في شيء، وهذا مؤشر عميق الدلالة على أن الوضع العربي قد بلغ قمة الانهيار السياسي والأخلاقي والإنساني، وعندما تصل الأمم والشعوب إلى مثل هذه الحالة فإنها تصبح، بالتأكيد، أمام احتمالين لا ثالث لهما: إما الدخول في طور الانقراض، وإما الدخول في طور النهوض.
وقد يبدو الاحتمال الأول أكثر واقعية نظراً لهول ما يحدث. لكن النظرة الموضوعية المتأنية للواقع تُظهر أن الاحتمال الثاني هو الأوفر حظاً، إذ لا بد هنا من التفريق الصارم، داخل الأمة، بين القوى الرجعية الموظفة توظيفاً قديماً – جديداً في خدمة المشروع الأمريكي الصهيوني، بكل ما تملكه من إمكانيات هائلة، وبين القوى المتمسكة بالمشروع العروبي النهضوي الاستقلالي، وعندما تؤكد تجارب التصدي العربي الراهن لأعداء الأمة في الداخل، وأسيادهم في الخارج، أن العين قادرة على مقاومة المخرز، وأن إرادة الشعوب وتمسكها بوحدتها وسيادتها وكرامتها وحقوقها هي كلمة السر في صمودها العظيم، فإن ذلك يعني، دون شك، أن المجازر السعودية هي دليل عجز المملكة الفادح عن كسر إرادة اليمنيين، وتركيعهم، بل دليل هزيمتها، ومأزقها الكبير الذي لم تتمكن، بعد اليوم، من الخروج منه إلا بثمن باهظ قد يكون فيه انهيارها وتفككها…
ثمة انتصارات عربية كُتبت، ومازالت تُكتب بالمقاومة والدماء الزكية. انتصارات لا يمكن أن يتجاهلها أحد، ولا سيما انتصارات الدولة الوطنية السورية على الإرهاب وداعميه الإقليميين والدوليين… واليمن بصموده الخارق وتضحيات شعبه الأبيّ يقترب كل يوم أكثر فأكثر من الانتصار على وحوش العصر…
من هذه الانتصارات سيبدأ نهوض الأمة، وستتدفق الدماء الحارّة في شرايين مشروعها الكبير.
محمد كنايسي / صحيفة البعث