بداية الوعي بالذات
يعرّف كتاب "7 عادات للناس الأكثر فعالية" لستيفن كوفي، الوعي الذاتي "بأنه القدرة على التفكير في عملية التفكير نفسها، وهذا ما يميز الإنسان عن الحيوان ويجعلنا نتعلم ونرتقي ونبني عادات ونقلع عن أخرى".
أما كلية هارفارد للطب، فتعرف الوعي الذاتي بأنه التناغم العاطفي، وأن يفهم المرء من هو، وماذا يريد؟ وكيف يشعر؟ ولماذا يقوم بالأمور التي يقوم بها؟ وذلك عبر فهم أفكاره، ومشاعره، وقيمته، ومعتقداته، وأفعاله، وأيضا احتياجاته.
ويصف أخصائي الطب النفسي وعلاج الإدمان بالمعهد القومي للجهاز العصبي والحركي بمصر الدكتور إيهاب هندي، الوعي الذاتي بأنه "الخطوة الأولى" في أي علاج نفسي حقيقي، وفي أي تغيير بحياة المرء عموما، ويقول لـ"الجزيرة نت" إن "الوعي الذاتي هو أن يدرك الشخص أدواته، وأن يعي مشاكله، ومواطن التميز والخلل لديه بصدق".
ويشير هندي إلى أن أهم المعوقات التي تقف حائلا أمام هذا الوعي هي عدم رغبة المرء في معرفة ذاته، "فالإنكار نقيض الوعي، وهو وسيلة دفاعية للإنسان ليظهر أنه بخير ولا يعاني من أي مشاكل. والإنكار يقود إلى التنصل من المسؤولية عن الأحداث والنفس والآخرين، هكذا تجد الكثيرين يحملون مسؤولية ما يجري لهم في الحياة للظروف، أو العائلة، أو البيئة أو أي شيء آخر، وذلك لأن الشعور بالمسؤولية، يتبعه وضع الخطط واتخاذ الخطوات من أجل إحداث التغيير المطلوب، لذا يميل بعضهم للحل الأسهل بإلقاء اللوم على الآخرين".
ويقول الطبيب المتخصص في علاج الاضطرابات النفسية للبالغين والمراهقين، إن الوعي الذاتي يبدأ حين يكف المرء عن ادعاء أنه بخير وهو ليس كذلك، "وللبدء عليك تحديد مشاكلك بدقة، ومواطن قوتك وضعفك، والإيمان أنك مسؤول مسؤولية كاملة عن نفسك، وتصرفاتك، وعن اتخاذ خطوات حقيقية نحو التغيير للأفضل، هذا يحتاج إلى قوة وشجاعة لمواجهة الحقيقة وإن كانت مؤلمة".
وينصح هندي بضرورة زرع الوعي الذاتي لدى الأطفال منذ نعومة أظفارهم، "فالوعي بالذات والشعور بالمسؤولية وجهان لعملة واحدة، لهذا تجد لدى البعض وعيا كافيا بذواتهم، ولا تجده لدى آخرين بسبب طريقة التربية، وسلوك الأهل، هل كان الأهل يتحملون مسؤولية أفعالهم ويعالجون المشكلات بمواجهتها أم بإنكارها والهروب منها؟".
أنواع الوعي الذاتي
عادة ما يقسم علماء النفس الوعي الذاتي إلى نوعين متكاملين، وعي ذاتي عام، يظهر عندما يدرك المرء كيف يبدو للآخرين، ووعي ذاتي خاص عند إدراك جوانب أنفسهم، ذلك الأخير يفسر لصاحبه مشاعر مثل آلام المعدة في حالة نسيان شيء مهم، أو خفقان القلب عند رؤية شخص معين.
يتكون الوعي الذاتي من 5 عناصر أساسية يمثل استيعابها، والعمل بها ركيزة أساسية للبدء في فهم النفس، هي:
الوعي بالتجارب الداخلية، بما في ذلك العواطف والأفكار.
معرفة الذات، وأن يفهم المرء من هو وما معتقداته وقيمه ودوافعه.
الذكاء العاطفي، ويعني القدرة على فهم وإدارة العواطف.
قبول الذات، ويتضمن إظهار التعاطف واللطف ناحية النفس.
التأمل الذاتي، ويتضمن القدرة على التفكير بعمق في المشاعر والأفكار والأهداف من أجل الحصول على إجابة لأهم سؤالين "من أنا وما مكاني في العالم".
كيف تزيد الوعي الذاتي؟
يعتمد بعض الناس على أنفسهم في ممارسة الوعي الذاتي، بينما يلجأ آخرون إلى الحصول على مساعدة من أجل فهم أفضل لأنفسهم، لكنْ ثمة طرق ينصح بها أطباء النفس لتنمية الوعي بالذات، أهمها:
ممارسة التأمل والوعي بالأفكار والمشاعر الداخلية.
التدوين وكتابة اليوميات حول كيفية التفكير وأسباب التصرفات والنقاط التي تحتاج التطوير حقا.
العلاج المعرفي السلوكي، حيث يساعد المعالج في هذه الحالة على تحديد الأفكار والتصرفات السلبية وأسبابها.
تنمية الذكاء العاطفي عبر تعلم كيفية التعبير عن المشاعر بطريقة صحيحة، وممارسة الاستماع الفعال.
الوعي المعتدل عبر إدراك الفارق الكبير بين الوعي الذاتي الطبيعي، والوعي الذاتي المفرط الذي قد يقود إلى اضطراب القلق الاجتماعي.
وتعد زيادة الوعي بالأحاسيس الجسدية والأفكار المرتبطة به، أمرا أساسيا لزيادة الوعي الذاتي، فكلما تمكن المرء من التعرف على المشاعر في جسده بشكل أكثر وضوحا، استطاع التعرف بشكل أدق عن موعد نشأة هذا الشعور بداخله. ويفترض بالوعي الذاتي أن يسمح للمرء بالإجابة عن عدد من الأسئلة:
من أنا؟
ماذا أريد الآن أو في المستقبل؟
ماذا علي أن أفعل بعد ذلك؟
ما رأيي في موضوع/موقف معين؟
كيف أشعر جسديا وعاطفيا الآن؟
ويوصي الخبراء بزيادة الوعي الذاتي عبر مجموعة من الممارسات، من بينها تمرين التركيز على هنا والآن، وقبول كل ما ينشأ عن هذا الوعي دون إصدار أحكام مع التركيز بشكل خاص على العواطف، يتلخص التمرين في مجموعة من الخطوات، أبرزها:
الجلوس بهدوء في وضع مريح مع إغماض العينين.
استحضار شيء حزين إلى الذهن، ولكن يجب ألا يكون قاسيا جدا.
ملاحظة أين يمكن الشعور بهذا الحزن في الجسد.
وضع إحدى اليدين على ذلك الجزء من الجسم بطريقة لطيفة ومهدئة.
تكرار الخطوات المذكورة مع استبدال الحزن بمشاعر مختلفة، مثل الخوف والغضب والفرح، من شأنه تحسين وعي المرء بذاته، كما يساعد على ربط الأعراض الجسدية بالمشاعر، ومن ثم ملاحظتها والتعامل معها في وقت مبكر بطريقة أكثر وعيا.
المصدر : الجزيرة