وكغيرها من المواقع الأثرية السوري، حملت الرقة بموقعها الإستراتيجي أهمية كُبرى، لوقوعها على مُفترق طرق تجارة العالم القديم المتجهة من بلاد الرافدين إلى البحر المتوسط ومن سورية إلى الأناضول، ما جعلها مركزاً حضارياً ومحطة تجارية مهمة، وذلك بعد توافر التربة الخصبة والمياه الوفيرة.
ولعل ما دفع مؤلف هذه الدراسة إلى تقديمها، هو ما أحدثته الحرب القذرة من فوضى وتدمير وسرقة ونهب لآثار تلك المنطقة، ما أحدث الكثير من الأضرار الجسيمة.
فيما اقتصرت الدراسة على المواقع التي أجريت فيها أعمال تنقيب منهجي وتوفرت عنها تقارير ودراسات لها أهميتها البحثية والعلمية بمعطياتها ومعلوماتها بالغة الأهمية، فقدم الكتاب المواقع وفقاً لموقعها الجغرافي بدءاً من الحدود الإدارية للرقة، عند دخول النهر إليها من محافظة حلب، من ثم مواقع حوض البليخ، بدءاً من الحدود التركية وصولاً إلى مصبه بالفرات.
التراث اللامادي
كما تناول الكتاب تعرض التراث الثقافي المادي السوري للأضرار والتدمير، واندثار بعضها نتيجة خروجه عن سيطرة الدولة السورية، وما أصابها من أذىً ونهب لمتحفها الوطني، إضافة إلى نهب محتويات متحف جعبر، مع الإشارة إلى أن هذه المواقع لا تزال تتعرض للتخريب والتدمير والنهب الممنهج حتى اليوم، في الوقت الذي لا يوجد فيه مسح شامل ودقيق لحجم الأذى والضرر، لتقوم هذه الدراسة بدورها بتوثيق جزء مهم وغني من تراثنا الثقافي السوري في الرقة والتعريف به، والاعتماد عليه في تقويم حال المواقع الأثرية، ومعرفة ما اندثر ونهب، وما بقي سليماً، وما يحتاج إلى أعمال ترميم وصيانة وإعادة تأهيل.
لم يكتف الكتاب بعرض المواقع الأثرية في المحافظة فحسب، بل تطرق لطريقة وضع بعضها على الخريطة المرفقة وفق الموقع الجغرافي لا العصر الذي ينتمي إليه كل موقع، ومنها: نهر الفرات، نهر البليخ، جبل بشري، الشويحات، تل شمس الدين، تل ممباقة، تل العبد، تل عناب السفينة، تل الشيخ حسن، تل خلاوة، تل مريبط، موقع دبسي فرج، تل فراي، تل أبو هريرة، قلعة جعبر، تل سورا، موقع هرقلة، الرقة، تل البيعة، تل جدلة، تل أسود، تل سخلان، موقع مدينة الفار، تل صبي أبيض، خربة الشنف، تل الدامشلية، تل حمام التركمان، تل مفيش، تل خويرة، موقع خراب سيار، موقع الرصافة.
صناعة الخزف والزجاج
يُنسب للمدينة نوع معروف ومهم من الخزف الإسلامي، إضافة إلى رواج صناعة الزجاج، وهو ما جعل صناعها في المدينة يتنافسون في الإتقان والإبداع في رسوماتهم وكتاباتهم وألوانهم وأشكالهم، وللخزف أنواع عديدة منها ذو البريق المعدني وذو الزخارف والأواني.
لاحتواء الكتاب سمات خاصة بالمدينة لم يذكرها مؤرخون من قبل، الدور الأكبر في جعله مرجعاً للمهتمين والباحثين، لما يحويه من الأهمية التاريخية والأثرية للرقة، عدا عن مساهمة الكثير من الجهات في إنقاذ التراث السوري وحمايته وصونه.
تأتي أهمية هذه الدراسة من كون الإنسان الأول استقر بداية في منطقة الرقة وتأسست القرى الزراعية فيها منذ نشأت التاريخ، كما دجن فيها الحيوانات والنباتات البرية في تل "المريبط"، وتل "أبو هريرة"، كما ابتدع الإنسان القديم الذي عاش في هذه المنطقة صناعة الفخار في تل أسود على نهر البليخ.
إضافة لتعريف الكتاب مواقع المحافظة التي كانت لها مساهمتها في نشوء مراكز مدنية هي الأولى من نوعها في التاريخ، وبشكل معاصر لمدن جنوب بلاد الرافدين، كما في (تل حبوبة)، و(تل قناص)، و(تل حمام التركمان)، و(جبل عرودة).
المصدر: الوطن