ليس أنسب من مثل هذه المقاربة لما يفعله العدو الصهيوني في المنطقة، من غزّة إلى لبنان.. إلى سورية، بطريقة تنطوي على أكبر انتهاكات يسجلها التاريخ لكل القيم التي زعم العالم بأنه حريص عليها، وأنشأ من أجلها منظمات تتبنى مسميات طنّانة ورنّانة بدلالات مطمئنة من قبيل.. أمن.. إنسانية.. سلم وسلام.. إلى آخر سلسلة مصطلحات تبدأ ولا تنتهي.
غريب وعجيب بالفعل ذلك الصمت المطبق الذي نشهده من تلك المنظمات و"المؤسسات" الدولية عما يتجرأ عليه الصهيوني، وهو غير مسبوق حتى في المزاعم الافتراضية لـ "المحرقة" التي ابتز بها العالم من عقود طويلة.
منذ أيام خرج رئيس وزراء الكيان كئيباً مكفهراً لابساً قناع المأساة، وهو يعزّي أهالي ثلاثة قتلى سقطوا في معبر "الكرامة" مع الأردن، ويتباكى لأنهم مدنيون، لكنهم أعلنوا وبكل صفاقة المجرم، أن استهدافه عمق الأرض السورية كان لأهداف عسكرية، في عدوان راح ضحيته مدنيون وممتلكات وبنى مدنية بالمطلق.. بالفعل صفاقة ما بعدها صفاقة تُمارس أمام خنوع المجتمع الدولي، وسكوته على ارتكابات تتكرر واعتداءات مباشرة على دولة ذات سيادة كسورية.
عدوان الأمس راح ضحيته عدداً غير قليل من المدنيين، وخُرّبت شبكات طرق وكهرباء واتصالات ومياه وبنى تحتية في مجتمعات مدنية آمنة استرخت لسكون الليل لتستيقظ على أصوات عدوان الغدر.
الخسائر السورية كبيرة وغالية وثمينة.. لأنها سورية، لكن خسائر مصداقية المؤسسات الدولية أكبر بكثير، خسائر على مستوى المصداقية والهيبة، فكل المؤسسات المزعومة للحفاظ على الأمن والسلم العالميين باتت أمام شكوك وريبة حتى أمام أشد المؤيدين لها، بل حتى ممن يستخدمونها ويوظفونها لتحقيق مآرب ومصالح جانبية لا علاقة لها بالأمن ولا السلم، فقد تحولت إلى منظمات "رعب لا أمن.. وتجويع بدلاً من مكافحة الجوع.. والسلسلة تطول".
تبدو منظمات المجتمع الدولي كلها اليوم، في موقف صعب وبالغ الإحراج لها وللقائمين عليها، بل هو موقف مصيري يفترض بالنسبة لها، وهو إثبات أنها مازالت على قيود هذه الحياة.
فما جرى أمس في سورية هو خرق صارخ لكل القوانين الدولية، لأن استهداف المدنيين والبنى المدنية، من المحرمات في كل القوانين التي تحكم العلاقات بين الدول حتى في أشد حالات الاشتباك والحروب الساخنة والباردة.
المصدر: صحيفة تشرين