الشّعر هو البيان الأخير، قياسًا على البيان رقم واحد. وآخريته تتأتّى من أنّه آخر حصون الفردية في عالم يسير نحو تشيئ كلّ شيء وتحويله إلى سائل غير أمبريقي، فعندما تكلّم زيغمونت باومان في كتابه "الحداثة السائلة" عن تمييع الحدود والأنساق، الذي من الممكن فهمه على أّنّه مزج المثال/ المطلق مع النسبوي/ الدوغما في كلية قاهرة، لم تعمل على مصادرة فرادة الكائن كما كانت تفعل كليات المطلق والدوغما، على الرغم من أنّها تركت له مساحة للاحتجاج/ المهرّج في بلاطها. أمّا كلية الزمن السائل التي بدأت مع إعلان نيتشه "موت الله" ومع بارت "موت المؤلف"، لم تترك للكائن البشري/ الفرد إلّا صحوة الموت.
هذه المقدمة المبتسرة ليست إلّا مدخلًا للتعريف بالديوان الثاني للشّاعر السّوري علاء زريفة الذي عتّب بعنوان: "شوكولا"، الذي نلحظ فيه إلحاحه على جعل ذاته/ ذات الحبيبة مبدأً أعلى وبالوقت نفسه دوغمائياً، كي يترك لقوله مساحة في النسبي، لأنّ الفردية لا تكون إلّا بالحق في إضافة "ألـ" التعريف من قبل الشاعر الذي يعتبر نفسه وريثًا للاهوت مندثر وناسوت مبهم. فيقول علاء في أحدى قصائده: "تعشّقت (الأوليمب) دهرًا وظلّ جسدي يابسًا، كنت خليل أمسي وأسير خلودي في الضياع، وفي الخروج القسري من نرجسٍ مكابر. على الساحل الشرقي أحتفي بالسؤال عن غريمي الفناء، أرقّص ثور رؤاي في البعيد، فاسمع صداي الغائب في التيه ويخرج منّي قرنان يُغمدان سيف النهاية في الوريد".
ليست الشوكولا طعماً من حضارة الشرق حيث اللاهوت قد وعد بما لم ترَه عين ولا سمعت به أذن وليست أيضًا ربيبة التنوير الأوروبي أيضًا، فالشوكولا هي الذهب الذي لم يستطع تذويبه المستعمر الأسباني وورثته في الأميركيتين، فظلّت شاهدة بحلاوتها ومرارتها على تاريخ العبودية وإبادة الشعوب وفي الوقت نفسه ظلّت دليل سايكي زوجة كيوبيد ومأساتها حيث في اللحظة التي جمعت السماء بالأرض حكمتها اللعنة بأن تفارق حبيبها.
وسايكي التي لم يذكرها علاء في ديوانه ترمي بظلالها على الوجه الآخر للشعر، الذي هو الحبّ المحكوم بلعنة ألّا يتم، فقد اختبر زيوس قوة اجتماع الذكر والأنثى لذلك عمل على تفريقهما.
يقول علاء في ديوانه الصادر عن دار دلمون السورية لعام 2019: "هل انتزعت صورة جمعتنا معًا عن جدار ذاكرتي/ هلا خرجت الآن/ أريد أن أغيّر ملابسي/ أرتدي جسدًا لم تشاركيني إياه".
إنّ ثيمة الديوان العامة والخاصة هي الحبّ التي من خلالها سيقول علاء هواجسه الوجودية والميتافيزيقية، ففي الحبّ وحده ينسى الإنسان أنّه من طين ويغمض عينيه عن السماء ليكون حرًّا للحظات كما في صحوة الموت. أليس الحب موتاً صغيراً، كما يقول محيي الدين ابن عربي.