وعن موضوع النكبة ذاته صدرت الطبعة الأولى من رواية "أولاد الغيتو: اسمي آدم" (دار الآداب 2016) وترجمت للفرنسية والعبرية والرومانية، وترجمها إلى الإنجليزية همفري ديفيز.
وسبق أن تناول خوري النكبة الفلسطينية ومآسي الشعب الفلسطيني في ملحمته الروائية الشهيرة "باب الشمس" وفي رواية "كأنها نائمة"، وترجم رواياته إلى الإنجليزية مترجمون محترفون ضمنوا للنص الإنجليزي جزالته وبهاءه.
ولم يكن خوري مجرد أديب معني بفلسطين، فقد كان أحد المناضلين في صفوف حركة فتح ولا يزال مشغولا بالهم النضالي الفلسطيني وأسئلته الفكرية والسياسية، ولكن هذا على أهميته لم يكن ليشكل فارقا كبيرا لولا موهبته السردية الفذة.
دفتر آدم دنون
تبدأ الرواية بحيلة أدبية يحكيها إلياس خوري عن لقائه بآدم دنون الذي كان يدعي أنه يهودي من الغيتو في وارسو، لكن دنون عندما التقى بكاتب رواية "باب الشمس" (خوري نفسه) ومخرج إسرائيلي يعرض فيلما عن النكبة ثار غضبه فجأة واتهم الروائي والمخرج بالكذب، وقرر أن يكتب روايته الخاصة عن كل شيء.
ومن دفاتر دنون التي حصل عليها خوري بعد انتحاره تتابع فصول الرواية قصة وضاح اليمن كاستعارة للقضية الفلسطينية، ثم حوار داخلي يشرح فيه آدم لماذا قرر أن يحكي عن "غيتو" اللد من خلال ذاكرة الضحايا، وكيف وجد في الصمت بلاغة تفوق كل ما قيل عن المذبحة، وذلك قبل أن ينهي الرواية بقصة احتلال اللد وتجميع الناجين منها في أحياء مسيجة بالأسلاك الحديدية وبدون طعام ولا ماء.
وفي ملحمة روائية وسرد مميز ينتقل الراوي من اليمن إلى دمشق ففلسطين ويجمع أوجاع الصمت وفسيفساء النكبة في قصص وضاح وآدم، ورغم انتقاد بعض القراء غياب التسلسل والمحور العام للرواية فإن خوري نجح بروايته في الكتابة عن النكبة بروح عالمية.
لغة الصمت
وقسم الكاتب الرواية إلى ثلاثة أقسام، هي "صندوق الحب"، و"آدم دنون"، و"أيام الغيتو"، وتناول في القسم الأول قصة الشاعر وضاح اليمن الذي ذكره الأصفهاني في كتابه الأغاني، ويروى عن وضاح أنه كان وسيما وتغزل بزوجة الخليفة وأوقعها في حبه.
وتروي الأسطورة أن الخليفة أهدى لزوجته صندوق مجوهرات كبير واختبأ فيه وضاح عندما شعر بانكشافه، وعلم الخليفة بما جرى فأمر بحفر بئر وألقى فيها الصندوق، ليموت وضاح الذي اختار الصمت حماية لحبيبته أو يأسا من الحب.
وتبدو في قصة وضاح استعارة للنكبة الفلسطينية، فصمت الفلسطينيين الذين بقوا في أرضهم بعد النكبة يشبه صمت الشاعر فداء لحبه.
وفي الفصل الثاني يروي آدم دنون في نيويورك سيرته الشخصية في الرواية، ويعيش قصة حب غير مكتملة، ويسعى لكتابة الحقيقة دون زخرفة، مجردة من كل الرموز، فيسترجع ذاكرته عن الغيتو وحكايات اللد بعد احتلال الإسرائيليين لها في يوليو/تموز 1948.
وفي الجزء الثالث يروي خوري على لسان آدم -الذي نجا من المذبحة والغيتو وهاجر إلى أميركا- حكاية الفلسطينيين الذين بقوا في اللد بعد سقوطها بيد الإسرائيليين، ويشرح كيف حوصروا في منطقة صغيرة المساحة "الغيتو" لمدة عام كامل وعاشوا أهوال ومعاناة شملت العطش وتعفن الجثث وحرمانهم من حقوقهم وسلب أراضيهم، ومرة أخرى -مثل وضاح اليمن- يكون الصمت هو الخيار والجواب عما يحدث.
ولا تنتهي المعاناة عند هذا الحد، فيفرض على الناجين المحاصرين من سكان الغيتو تنظيف شوارعهم من جثث الضحايا ونهب مدينتهم ببيوتها ودكاكينها وتحميل المقتنيات في شاحنات للجيش الإسرائيلي لتأخذها إلى تل أبيب.
واقع وخيال
وشخّص آدم عندما كان طفلا بأنه مصاب بكرب ما بعد "الصدمة"، لكنه لم يكتشف ما يعنيه ذلك سوى أثناء دراسته في جامعة حيفا عندما "درسهم الأستاذ مادة عن المحرقة النازية، وصف خلالها الصدمة التي أصابت اليهود الذين نجوا من الكارثة"، بحسب صحيفة نيويورك تايمز الأميركية.
ويربط خوري في الرواية -التي تمتزج فيها الحقيقة بالخيال- بين شخصيات الرواية والشخصيات الواقعية، مثل إدوارد سعيد ومحمود درويش وعلي حسن سلامة.
وقارن تقرير الصحيفة الأميركية بين غيتو الفلسطينيين في اللد وغيتو اليهود في أوروبا، فالأحداث تتقاطع وظلالها تجاور بعضها، واعتبر الكاتب أن صمت الفلسطينيين بعد النكبة كان مفروضا عليهم من قبل المحتل.